تُشير نتائج استطلاعات الرأي الأخيرة في “إسرائيل”، ومنها الاستطلاع الجديد لصحيفة هآرتس الإسرائيلية، إلى أن حزب الليكود بزعامة بنيامين نتنياهو، يُتوقع له يَحصَل على (25) مقعدًا في الانتخابات المُبكّرة القادمة. كما يُتوقع أن يَحصَل المعسكر الآخر المُنافس بزعامة رئيس حزب العمل إسحق هرتزوغ ورئيسة حزب الحركة تسيبي ليفني على (23) مقعدًا. كما يُتوقع أن يحصل حزب البيت اليهودي على (14) مقعدًا. أما القائمة العربية المشتركة فمن المُتوقع أن تحصد (12) مقعدًا. فيما يتوقع أن تتقاسم باقي الأحزاب الـمقاعد المتبقية، وهي أحزاب “يش عتيد/يوجد مستقبل” وحزب “كولانو” وحزب “يهدوت هتوراه” وحزب “إسرائيل بيتنا” وحزب “شاس” للمتدينين الشرقيين، وكتلة “ميرتس” المحسوبة على “اليسار الصهيوني”…
وبالطبع فإن أرقام الاستطلاعات غير مُقدسة، ولا تعني أن الأمور ستنتهي عند تلك التخوم بشكلٍ جازم ومؤكد، لكنها تعطي مؤشرات تَدل على اتجاهات الرأي العام في “إسرائيل” في المرحلة الراهنة، ويمكن لها أن تتحرك قليلًا صعودًا أو هبوطًا. ولكنها لن تتغير باتجاه إحداث فجوة كبيرة وهائلة قد تؤثر على حسم النتيجة المتوقعة ما بقيت الأمور كما هي دون وقوع تطور دراماتيكي هائل قد يقلب الأمور رأسًا على عقب في مزاج الشارع “الإسرائيلي”. فانقلاب مزاج الرأي العام يتوقف على حصول واقعة أو تحول معين على الأرض، وهو ما حصل في انتخابات الكنيست عام 1997 حيث كانت مؤشرات استطلاعات الرأي العام تشير لإمكانية فوز حزب العمل بقيادة شيمون بيريز في حينها، لكن وقوع سلسلة من العمليات التفجيرية الضخمة في تل أبيب وغيرها قبيل الانتخابات دفع بغالبية “الإسرائيليين” للانزياح باتجاه التصويت لليكود، وعندها فاز حزب الليكود.
أما بشأن أحزاب (بيضة القبان) الصغيرة، فإن نتائج استطلاعات تتوقع أن يكون حضورها محدودًا ومبعثرًا في عضوية الكنيست، لكن سيكون ذا أهمية على الأغلب عند تشكيل الائتلاف الحكومي القادم، حيث يُتوقع على الأرجح أن تتحالف تلك الأحزاب مع حزب الليكود لتشكيل حكومة نتنياهو الجديدة، في تحالف تعطيه مؤشرات الاستطلاع المُشار إليه نحو (65) مقعدًا لتصبح حكومة من الصعب إسقاطها، حيث حزب الليكود ومعه (أحزاب “يش عتيد” و”من “كولانو” ويهدوت هتوراه” و”إسرائيل بيتنا” و”شاس” والبيت اليهودي” و”كحلون”).
في هذا السياق، الطامة الكبرى أن المراهنات مازالت تَسود عند العديد من الأطراف الفلسطينية والعربية، التي تَعتقد بأن سقوط تحالف قوى اليمين في “إسرائيل” في الانتخابات البرلمانية القادمة وعدم قدرتها على تشكيل حكومة ائتلافية، سيفتح الباب أمام حدوث تغيّر نوعي في السياسات “الإسرائيلية” لجهة عملية التسوية مع الفلسطينيين. متناسين أن الآخرين من المعسكر المُنافس لنتنياهو لا يتبنون ولا يقدمون عمليًّا رؤية بديلة لرؤيته فيما يتعلق بمجمل مسارات العملية السياسية المتوقفة أصلًا مع الفلسطينيين. فعند الاحتكام إلى البرامج الانتخابية لعموم الأحزاب المتنافسة في “إسرائيل”، نجد أنها جميعًا، رغم تباين التعبير والشكل، تتشبث بالهدف الأساس: “إسرائيل دولة للشعب اليهودي”، وهو ما لا يترك من مُتسع لحلول الشرعية الدولية، وحتى لحلول أدنى من سقفها.
وعليه، ما زال سائدًا عند الكثيرين الاعتقاد الذي يَفتقد لكل أساس واقعي أو منطقي، والقائل بأن خسارة نتنياهو للانتخابات وفوز منافسيه فيها يعادل إحداث تغيير نوعي في السياسة “الإسرائيلية”. وهذا هو الوهم بعينه الذي يجري تسويقه في كل مرة للفلسطينيين وعموم العرب. فالذي أفشل عقدين ونيف من المفاوضات في مسار عملية التسوية، وأوصلها إلى طريق مسدود، ليس نتنياهو وحده، بل إن حزب العمل المنافس الأساسي لحزب نتنياهو في الانتخابات القادمة، هو من يتحمل المسؤولية الكبرى في هذا المجال.
إن الولايات المتحدة، غير مرتاحة لحكومة نتنياهو وأدائها العام، وقد ساهم نتنياهو بتوتير تلك العلاقة مع الإدارة الأميركية في أكثر من محطة خلال الفترات الأخيرة. كما أن الولايات المتحدة لا ترغب بفوزه. فضلًا عن وجود مؤسسات غير حكومية أو جمعيات أميركية قريبة من مصادر القرار تفضل وتدعم بشكل مباشر أو غير مباشر قائمة المعسكر العمالي الصهيوني بقيادة حزب العمل وحزب الحركة (إسحق هيرتزوغ ـ تسيبي ليفني) المنافسة لنتنياهو. لكن تلك الرغبات الأميركية لن تكون قاطعة وحاسمة في مسار الانتخابات ونتائجها المتوقعة في “إسرائيل”. كذلك إن التوتر الذي وقع حيال بعض المواضيع بين نتنياهو والإدارة الأميركية لا علاقة له بمسألة المفاوضات مع الفلسطينيين. فالذي عَطّل مساعي وزير الخارجية الأميركية جون كيري طوال العامين الماضيين، بما في ذلك مفاوضات التقريب التي جرت بين الفلسطينيين و”الإسرائيليين” في العاصمة الأردنية عمَّان، وخطة جون كيري التي آتت بعد فشل تلك المفاوضات، ليس نتنياهو وحده، بل الانحياز الأميركي ذاته، الذي كاد أن يكون متطابقًا مع الموقف “الإسرائيلي” بالتفاصيل التفاوضية، بما في ذلك رفض الإدارة الأميركية ممارسة الضغط العملي على حكومة نتنياهو لوقف عمليات تهويد القدس الشرقية ومحيطها، ووقف تسمين المستعمرات المقامة فوق بعض المناطق في الضفة الغربية، فضلًا عن تعاطف الإدارة الأميركية مع موضوعة “الشعب اليهودي، والقومية اليهودية، والدولة اليهودية”.
وخلاصة القول: إن الوقوع في مطب المراهنات العقيمة على فوز تحالف (العمل + ليفني) سيكون تكرارًا للمكرر، واستنساخًا لتجارب سابقة يُفترض أن يتعلم الجميع منها، من أجل بناء سياسات فلسطينية وعربية، يتم من خلالها تثمير عناصر الفعل العربية من أجل عملية سياسية حقيقية أعمدتها الشرعية الدولية قولًا وعملًا وتحت إشراف دولي بعيدًا عن الوقوع تحت الرعاية الأحادية الأميركية المنحازة.