بعد مائة يوم على تعينه.. انطباعات عن زيارتي الاولى لمكتب رئيس السلطة الجديد .. الدكتور هاني الملقي
عروبة الاخباري- خاص – كتب سلطان الحطاب .. حتى لا يفوتني الموعد توجهت من المطار الى مقر المفوضية لسلطة منطقة العقبة الخاصة ..كان التكسي قد سالني عن وجهتي وبعد ان اكملت الطلب قال: “الله يوفقه” وبقي يكررها لاكثر من مرة فقلت: “من تقصد” قال: “رئيس السلطة ابن الملقي” .. قلت تقصد الدكتور هاني قال: “نعم .. يا اخي والله ما الك عليّ يمين وليس لي مصلحة فانا سائق تكسي هذا الرجل عمل الكثير .. ساريك الان حين ندخل المدينة لتنظر بنفسك .. كانت الشوارع وخاصة الخلفية مليئة بالاكشاك والدكاكين غير المرخصة والبسطات ومحلات الاراجيل والتي ظهرت منذ السنة الماضية بشكل كبير دون ان يردعهم احد ورغم الشكاوى من المواطنين نتيجة الازعاج ومن التجار المرخصين الا ان السلطة قبل الملقي لم تحرك ساكنا وبقيت الحال حتى جاء الرجل”..
بقيت صامتا لم اعلق حتى لا يعرف السائق موقفي فيتوقف او يزيد.. فقال: “شو رايك انت ولا انت غير مهتم” .. قلت: “اريد ان اسمعك قبل ان اصل الى مقر السلطة” ..
قال: “حاولوا الاساءة له وهم تعودوا كلما جاء مسؤول من عمان ان يقاوموه وان يضعوا كل العقبات في وجهه” قلت من ؟ اهل العقبة ؟؟ .. قال: “لا اعوذ بالله اهل العقبة مستفيدين من الذي حدث منذ عام 2005 سواء لاراضيهم او للمشاريع او تشغيل ابنائهم او ترتيب مدينتهم او التطور الذي استمر” .. قلت: “من اذن” قال: “مجموعة قليلة تعتبر نفسها وصيّة على العقبة وحتى على السلطة وهي تهجم قبل ان تعرف اي خطط ومنذ لحظة وصول المسؤول لتلفت انتباهه اليها حتى يرضيها ويحقق مصالحها.. هي يا استاذ فئة قليلة معدودة على الاصابع.. بعضهم يعتقد ان العقبة له وان الاخرين ضيوف او وافدين او ياتوا ليسرقوا ومن هؤلاء من هو مختار او وجيه او حتى نائب وبعضهم معارض للحكومة ويصب معارضته على السلطة هؤلاء نجحوا مرة ومرتين واعتقدوا ان هذا هو الاسلوب الانجح.. لم يمكنوا الكثيرين من رؤساء السلطة من العمل والرؤساء الذين نجحوا هم من فطنوا لهؤلاء واعطوهم احجامهم فقط وهذه المجموعة لها ارتباطات مع شخصيات في عمان لا تريد لمركب السلطة ان يمشي ولا لخططها ان تنجح !!!..
لفت انتباهي قدرة السائق على التشخيص وحبه للعقبة وهو ابنها وللنظام والقانون..
ثم صمت وقال: “اذا اردت ان انتظرك حتى تنهي عملك فسانتظر” .. قلت: “نعم اريد ان تعمل لي جولة على الاماكن المخالفة فانا الان مستعجل وعلى موعد” .. قال: “يسرني ذلك” .. ثم تفاجأت ان السائق عرفني وقال رايتك في التلفزيون اكثر من مرة .. انت صحفي .. صمت وتجاهلت وقلت هل تستطيع الدخول بي الى حرم المبنى .. قال: “لا .. يمنعون التكسي تستطيع النزول هنا على الباب” .. وحين اردت ان اعطيه الاجرة قال: “حين ترجع انت قلت انتظرك” . فوافقت . ونزلت وسمعت من الدكتور هاني اقل مما سمعت من السائق فقد كان السائق اكثر شرحا واكثر حماسة .. والدكتور الملقي كان مختصرا وموضوعيا وقال: “مازلت في بداية الطريق .. هناك من يحاول ان يدخلني في التفاصيل الصغيرة وفي المراسم والشكليات وان اقوم باعمال البلدية كما لو كنت رئيسها وان اخذ صلاحيات الاخرين .. ولاني كنت اعرف لماذا العقبة الخاصة منذ الملك الراحل الحسين . وحتى مع وضع حجر الاساس لها عام 2005 وقد حضرت الاحتفال فالملك يريد منا تصورا شاملا لانجاح المشروع كله في ان تكون هذه المنطقة نموذجا ( منطقة اقتصادية خاصة ) يجري تعميمه على محافظات المملكة بعد ان تنجح . وكان يريد التفكير في المشاريع الكبيرة وفي جلب الاستثمارات وتوفير مناخ لذلك وتهيئة المكان وتوفير الاليات للتشريعات التي كتبت والتي كان يساء تفسيرها واستخدامها .. واجهت مشكلة نمطية العمل والتوافق على اشكال لا تميّز العقبة وخضوع المسؤول لاعراف وتقاليد تتصادم مع المشروع الوطني الكبير الذي كان يتهم كل من يحاول ان يترجمه على ضوء رؤية الملك .. ومن جاءوا لزيارتي كانوا يستعدون على من سبقني رغم انهم كانوا من المقربين ومن البطانة .. ومنهم من جاء ليعتبر انه العقبة قائلا لي رغم خدمتي العامة الطويلة في الجمعية العلمية الملكية وفي اكثر من وزارة ولاكثر من حقيبة “ان اهل العقبة ادرى بشعابها وهو يقصد شعبه” الذي هو فيه دون التفات لغيره او للمصلحة العامة.. هناك من حاول ان يبتز واخرون اعتقدوا انهم يستميلونني بالعزائم والدعوات وهو اسلوب سائد في بلدنا ووجدته اكثر سيادة في العقبة حاولت – والكلام للملقي – ان اصمت في البداية وان احدد الاولويات وان اقرأ الواقع القائم لابني من خلاله فاصلح وابادر واعمل على خلق اجواء جديدة من المشاركة النافعة .. بدأت ادرك الان ان العودة الى فلسفة المشروع برمته وهو ما قصده جلالة الملك منذ اليوم الاول ليس سهلا وانه يحتاج الى ازالة مفاهيم ومعطيات وحتى تصرفات وخطط ملتوية .. بدأت فكانت هناك ردود فعل بعضها من مستفيدين احسوا بان القانون سيصلهم وانه سيحتويهم ليكونوا تحته وليسوا فوقه. وقد قلت ذلك منذ اليوم الاول. انني اتمسك بالقانون والنظام واطالب بالالتزام واقدر الحقوق والواجبات واريد الفهم والتفهم حتى نعيد الوجه الجميل للعقبة باعادة تنفيذ فلسفة التطوير لتكون كما هي في ذهن قائدنا وكما جاء رسمها في المراحل الاولى وقبل ان تلتف الحكومات السابقة لتقوّض وتجهض وتجد لها هنا في العقبة من يخرج عن الفكرة لمصالحه.. اختلطت الاوراق وهناك من سكت من المسؤولين او تماهى ليرضي اطراف حين اعتقدوا ان ( الربيع) يساعدهم في ذلك فيعطل القانون والنظام ويخلق فرص الاسترضاء..
وحين داهمتهم بقوة القانون ومنطقه فقد بعضهم صوابه وما قراته عني من هجمات ومن قاموا به في الشارع من احتجاجات هي ردود فعل هؤلاء وليس ردود فعل العقبة التي جئت وفريقي لخدمتها ..
كان الحديث عن العقبة وعن المشاريع وعن الوضع القائم وعن الميناء والحاويات والعمال والاضرابات وكلام الحق الذي اراد البعض به باطلا من اولئك الذين طالبوا بحقوق ليست لهم ولا يستحقونها كان كثيرا ومتشعبا..
كما كان الحديث عن تاريخ العقبة وعن اهميتها ودورها في التاريخ كمدينة جامعة لاهل الشام واهل اليمن في وثيقة الرسول ( ص ) لاهل ايله التي وقعها مع الاسقف الغساني العربي (حنه بن رؤبة ) في تبوك وقد التقى الرسول .. وقد جاء فيها ” انت آمن في برك وبحرك ومن آويت من اهل الشام واهل اليمن ولك في ذمة محمد وان لا تمنع المسلمين من طريق يرودونه او ماء يردونه”..
وقد كانت العقبة انذاك في ذروتها وقد فاجأ كلامي الدكتور الملقي عن تاريخها الهام والعميق وعن كونها اقدم مدينة في العالم صكّت فيها النقود وقد جرى اكتشاف ذلك في العقبة القديمة الواقعة في مشروع واحة ايله وقد حرص السيد صبيح المصري رئيس مجلس ادارة المشروع احاطة المدينة القديمة وحمايتها واتباعها لدائرة الاثار والتعرف على مكان صك النقود الذهبية في زمن سليمان الحكيم الذي جاءها من اليمن ليصك فيها ( 400) دينار ذهبا..
رغم انصات الدكتور لما قلت ورغبتي في ان يكون ذلك في مناهج اجيالنا العربية لتعزيز هوية المكان والثقافة الوطنية الا انني اشفقت ان أُضيّع وقد الرجل الهام ساعات الصباح يوم الخميس في قضايا تاريخية ولكنني وجدته راغبا في الحديث فزدت قائلا .. هل سترمي بالتشويش والترهات خلفك اي هل تُلقيها خلفك ؟ وقد القوها عليك فقال أنا المُلقي وسافعل .. قلت كان عالم اللغة الكبير ” المُبّرد ” حين يلفظون اسمه بفتح الراء يغضب ويقول برّد الله من برّدني . انا المبرّد بكسر الراء فضحك وقال: “انا الملقي بضم الميم وليس الملقي بفتحها كما يزعمون” ..
عدت من مكتبه احمل افكارا لها علاقة باصرار الرجل على التمسك بما جاء من اجله وعلى اعادة فلسفة السلطة لما ارادت ان تكون في رؤية الملك .. بعيدا عن المجاملة والانفعال وتسديد الفواتير للبقاء في الموقع اذ لم يكن الرجل طامعا فيه ولكنه الواجب الذي يمليه الانتماء ..
كان التكسي بانتظاري .. فركبت وتوجهت لمشاهدة الجديد في العقبة كانت عشرات المحال المخالفة والمبنية في الشارع او الحاجبة للرؤية قد اغلقت او ازيلت او اعطي اصحابها مهلا قصيرة كما عرفت من السائق .. وكان ذلك اكثره في منطقة ” المحدود” التي جرى اجتياحها واحداث خلل واسع في مخططاتها وكادت ان تتحول الى مكرهة والى شكل يقترب مما كانت فيه منطقة “الحفائر” قبل تجاوزها ..
استغرقت ” اللفّة ” مع السائق نصف ساعة لاكّون فكرة مناسبة وقد توقف عند المكان الذي وصل اليه رئيس السلطة ليشرف على عملية ازالة المخالفة حين خرج له من الاولاد من جرى الدفع لهم ودفعهم ليخرجوا ويهتفوا ولكنه احتوى ذلك .. وقد علق السائق قائلا: “ما كان على الدكتور الملقي ان يخرج بنفسه ليسمع مثل هذا الكلام” ..
لم اعلق وطلبت منه ان اعود الى الفندق وقال: “اريد ان اقول لك شيئا” . الدكتور الملقي يستعمل سيارة السلطة اثناء الدوام ويستعمل سيارته الخاصة بعد الدوام .. قلت هل انت متاكد قال اقسم لك ..
والكثيرين هنا لاحظوا ذلك فهو لا يستعمل المال العام لمصالح شخصية .. صمت وتذكرت قول الدكتور الملقي لي في مكتبه وانا اطلب منه رقم تلفونه الخلوي فقال: “عند الدوام استعمل هذا وهو على حساب السلطة وبعد الدوام استعمل هذا وهو على حسابي الشخصي فايهما تريد؟ قلت: الاثنين واترك لك ان تميّز بينهما فنحن لسنا في عصر عمر بن عبد العزيز وشمعته التي كان يضيئها من بيت مال المسلمين اثناء عمله لهم ومن بيته بعد انتهاء عمله. . كان جادا فيما قال رغم ان الفكرة اضحكتني حين بدات التداعيات في ذهني للمقارنة مع الذين يسخرون الامكانيات العامة في خدمتهم ..