عروبة الإخباري – كفى لعباً، كفى لهواً، بهذه الإيقاعات المصاحبة لفعل التحدي وتعرية الأشياء، استهل الشاعر محمود فضيل التل، مساء أول من أمس، الأمسية الشعرية التي نظمها ملتقى إربد الثقافي، وشاركه فيها الشاعران: د. طي حتاملة، وأنور الأسمر، فيما انبرى لتقديم مفرداتها الشاعر حسن البوريني.
الشاعر التل قرأ في الأمسية التي حضرها حشد لافت من جمهور إربد، باقة من قصائده التي ذهب فيها بعيداً لتعرية مفردات الواقع العربي، ووضعها في نصابها، من حيث أنه شاهد عصر، تحرّكت فيه التغيّرات باتجاه الهوان والرضوخ، فقرأ بهذا الاتجاه:» صبية التاريخ»، التي يقول فيها: « كفى لعباً، كفى لهواً، كفى بحياتنا عبثاً، فهذي النار تحرق كل أوردتي، وقد أكثر، متى يا صبية التاريخ، في أقوالكم نُذكر، إلامَ نظلّ منسيين، مسبيين في أحلامنا، نلهو، وفي أوهامكم نُحشر».
إلى ذلك تابع التل قراءاته من خلال تقديم نماذج لهذا الهوان والتشظي، قبل أن يذهب إلى استذكار الحياة القديمة التي عايشها، في ظلال الجدار، جدار العشق، في قصيدته:» جدار قديم»، وفيها يقول: « دعي البحر يمشي، وسيري مع الموج، مهما تعالا، وكيف انثنى بعد هذا وسار، وعودي إذا ما حننتِ إليّ، ونادي على موجه ما أردتِ، وغنّي على ليلنا للغياب».
وقرأ الشاعر حتاملة من جانبه باقة من قصائده ذات الصرخة العالية في الوجوه المتلوّنة، قابضاً في سياقها على جملة من التحديات التي يرى أنها كفيلة للظهور على شاشة الأمل، كما ذهب في قراءاته لاستحضار شخصية وصفي التل، والقدس، والعروبة، إلى جانب قصائده الغزلية، وفي قصيدة:» عندما تبكي السياط» يقول:» تبكي السياط، سياط الذلّ صارخة، إني تعبت من الإذلال للعرب، إني تعبت وما ارتجّت مفاصلهم، حتى ظننت بأن العرب من خشب، أو أنهم حطب والنار تكرههم، نار الكرامة إن هبّت على الحطب».
كما قرأ باقة من القصائد التي يستحثّ فيها العرب، للخروج من دائرة الهوان، وفي قصيدة:» أسرج خيولك» يقول مستلهماً روح الإنسان العربي:» أسرج خيولك واصرخ إننا عرب، واحشد جموعك إن الحرب ترتقب، وانسى ضغائن فينا أشعلت فينا، وارم بحقدك إن الروم تقترب، واحفر لكلّ غزاة الأرض مقبرة، وارفع بيارق باسم الله تنتصب».
ومن جهته قرأ الشاعر الأسمر قصيدة تكوّنت من خمسة مقاطع، عاين فيها المسافة الماثلة بين الوقت والمرآة، محققا فيها تماثلية الذات في مواجهته للتحولات التي تطرأ زمنياً، ففي المقطع الأول الذي عنونه ب» هشاشة»، يقف أمام الماضي والحاضر ليجمع هشيم الأحلام، ولكنه يحتسي قهوة الصباح ويمشي، بينما في المقطع الثاني « مراوغة» فيقف على الصورة المهملة على سطح المرآة، ويندفع بعد ذلك في المقطع الثالث إلى تحسس الذات ومقاربتها مع ما يتّسق مع الماضي والحاضر، وفيه يقول:» ليس لي مآرب أخرى في عصاي، فقط ثقلت خطوتي، وساقاي متعبتان من خدعة الصحراء، والنار التي آنستها في الحلم، قد انطفأت».
وختم الأسمر قصيدته في الوقوف على حالة الولادة وتفاعلاتها في المقطع الرابع:» في البحر»، ليسدل إيقاعات مفرداته على هذا الجنين الذي تولّد من عقدة التحولات في المقطع الذي جاء تحت عنوان» هذا أنا»، وفيه يقول:» أحاول أن أرتّب خطوتي لأنسى، فأنسى خطوتي، لتقودني في مرايا الذاكرة، هذا أنا، يخيّل لي أني أذهب للنوم واحدا، وأترك شخصين يتحاوران في المرآة».
الشاعر البوريني الذي أدار الأمسية الشعرية قدم بين يدي تقديمه كلمات بحق الشعراء الثلاثة، حيث قال في الشاعر التل بأنه ابن الدحنون، وابن طبائق المرار والجلنار، وابن الحشائش التي غطت بحسنها عتق البيوت القديمة في إربد، فيما لفت النظر إلى أن الشاعر حتاملة ما انفك يناجي الوطن، وما انفك يصرخ بعالي الصوت من عتب ومن حب كبير، وحينما ضاق الفضاء بشوقه الكبير جاءت صرخته لتقطن في ديوانه» أم بنا صمم»، فيما اعتبر الشاعر الأسمر ابن القصيدة التي ما استكانت للقيد الخليلي، فسافر في جمله الشعرية، ليجعل لكل كلمة مدى، ولكل مدى مدارات تدور الكلمات فيها؟