عروبة الإخباري – من بين العروض اللافتة في الدورة الحالية لمهرجان دبي السينمائي الدولي، حضر الفيلم التسجيلي الطويل المعنون (سماء قريبة) لمخرجته الشاعرة الاماراتية نجوم الغانم، وهو يحتشد بتلك التفاصيل العذبة العالقة في الموروث الثقافي لبيئة اجتماعية تحفر خصوصيتها في التوازن بين الأصالة والحداثة.
تتمحور احداث الفيلم الذي ينافس على جائزة المهر العربي في مسابقة المهرجان، حول امرأة اماراتية تعمل في رعاية الابل واقتناءها والمشاركة بها في مسابقات التنافس المخصصة للابل، في اصرار وتحدي امام جملة من العقبات والاعراف التي تحول من مشاركة المراة الاماراتية في هذا الجانب من المنافسات.
تنجح كاميرا الغانم في معايشة المراة داخل بيئتها وعلاقاتها مع الاهل والجيران واقرانها من اصحاب هذه الهواية كاشفة عن الوان من المتعة البصرية لمشاهد الصحراء وما يفيض بها من مفردات انسانية وتكوينات جمالية تحفر في الذاكرة بدفء الاشتغال وحميمية الانحياز الى تلك الفئة المهمشة رغم ما تتمتع به من قوة وعناد وانفتاح ومثابرة وتصميم كلها مستمدة من خصوصية الصحراء التي منحتها القدرة على التنافس والتامل والتفكير في مصائر افراد من عائلتها او من هم في حكمهم على منوال راعي الابل السوداني.
ازاء هذه الصور البديعة للصحراء التي رسمتها الغانم والمجبولة باحاسيس ومشاعر تدنو من هموم وتطلعات امرأة تعمل على تجديد افكارها وحضورها الفاعل في الحياة اليومية وهي ايضا لا تعدم البوح عن اسئلة المرأة في مجتمع محافظ حيث تروي امام الكاميرا جوانب من سيرتها الحياتية في الحب والزواج ولجوئها الى جوف الصحراء لتربية الابل والخوض بها غمار المسابقات بدافع اثبات الذات والبحث عن مكانة لائقة لها في هذه الحياة، وكل هذا يسري بشاعرية وواقعية في منحى رومانسي مثلما يكشف العمل عن تلك التعابير المستخدمة في ترويض الابل من طرف المرأة خلال تلك الاشارات والدلالات البليغة والتي تنهض على عوامل العيش في الصحراء وعلى ذلك الارث التي تستعيده من ذكريات ما زالت عالقة عن شخصية والدها وهو ما منحها مثل هذا العناد والاصرار على اقتحام ميادين رعي واقتناء ومزايدات ومسابقات الابل التي ظلت دائما حكرا على الرجال.
مثل هذه الحالة الفريدة التي اختارتها المخرجة من جوف عيشها المحلي في الامارات قد تبدو غريبة على المتلقي الا انه يحسب لها البراعة في البحث والمعاينة عن تفاصيل غائبة لدى قطاعات كثيرة من الناس ومنها نفهم الصورة التي خلص اليها العمل المحمل بطزاجة شخوصه القلائل والمتناغمين في حراكهم مع مفردات اللغة السينمائية المدهشة سواء من ناحية المشهديات الاتية من مكونات سحر وجماليات البيئة الصحراوية والمدعمة بتلك النغمات الموسيقية المحلية العذبة الموزعة في اكثر من محطة بالفيلم وهي تشيع بهجة وتضفي رونقا في مناخات من التشويق والتوتر خاصة لدى استعدادات المرأة المشاركة في مسابقة الإبل، وطموحها الدائم الفوز بسيارة متينة تمكنها من اجتياز تضاريس الصحراء بحثا عن الابل ورعايتها بعيدا عن صخب المدينة الحديثة ومكوناتها الاسمنتية.
تقر أ المخرجة نجوم الغانم بحنكة وذكاء وفطنة الشاعرة قصيدته البصرية الجديدة (سماء قريبة) بشحنات من الرؤى والافكار المليئة بحميمية ودفء الود والاحاسيس التي تتفهم خصوصية شخصيتها الرئيسية في اتزان راق دون اندفاع مجاني على غرار كثير من الافلام الشبيهة التي تنحاز الى المرأة، هنا تترك الغانم للشخصية العنان في البوح وبث همومها وتطلعاتها البسيطة دون انغلاف او نأي عن الحاضر، بل هاجسها التفاعل ومحاولة فهم الفروقات الآتية بين مناحي الأصالة والمعاصرة، في توثيق نابه قلما تجود به صناعة الافلام العربية.
«سماء قريبة» للإماراتية الغانم.. فيلم يصور قيم الصحراء
19
المقالة السابقة