التقيت في الآونة الأخيرة بمجموعات شبابية عدة داخل عمان، وفي عدد من المحافظات، يمثل معظم أفرادها طلبة جامعيين أو خريجين جددا، للحديث عن هموم الوطن. وقد استوقفتني إحباطات كثيرة لديهم، قد أكون أدركها من قبل، لكنني أراها تتأصل وتزداد مع مرور الوقت، خاصة في المحافظات.
هناك فجوة ثقة كبيرة بين الشباب والحكومة -أي حكومة- مجبولة بغضب متزايد، نابع من الشعور بأن الدولة بمؤسساتها التنفيذية والتشريعية لا تستمع لهم، ولا تستشيرهم، ولا تحترم عقولهم، ولا تعاملهم كأولوية. وتبعا لذلك، تجد من الصعوبة أن يقتنع الشباب بأي طرح رسمي، مهما بلغت وجاهته.
في المجال الاقتصادي، يشعر معظمهم بالقلق على مستقبلهم؛ وبأن الوظائف المتوفرة لا تذهب إلا لمن لديه “واسطة”؛ وأنه ليس هناك من سيادة حقيقية للقانون تطبق على الجميع من دون محاباة.
أما في المجال السياسي، فهناك شعور متعاظم بأن الدولة تكيل لهم بمكيالين؛ فمن جهة تشجعهم على العمل الجماعي والانخراط في العمل الحزبي، ومن جهة أخرى توقّعهم على تعهدات بعدم الاشتراك في أي نشاطات حزبية جامعية.
لا يرى العديد منهم في تنظيم “داعش” خطرا ثقافيا أو حتى أمنيا. وعندما طرحت وجهة نظري بأن “داعش” يمثل خطرا على ثقافتنا العربية والإسلامية لا يعرف حدود دولة معينة، وبالتالي وجب محاربة التنظيم عسكريا وثقافيا، كان الجواب في الكثير من الأحيان أن لا شأن للأردن في محاربة “داعش” خارج حدوده، وأنه لم تتم استشارة الناس في هذه الخطوة.
مجتمعيا، وجدت وعيا لدى الجيل الجديد في موضوع المواطنة، وتغليب الهوية الوطنية على الهويات الفرعية، أكثر بكثير من بعض النخب التي ما تزال تصر على تقسيم الناس بناء على هوياتهم الإثنية أو الدينية.
الهيئات الشبابية الحكومية ما تزال قاصرة في التعامل مع جيل الشباب. فالعديد من نشاطاتها تركز على الجوانب الرياضية أو الثقافية، وتُغفل عمدا الحديث عن التحديات السياسية والاقتصادية، إلا بالأساليب التلقينية التي تمجد فقط ما تفعله الدولة من دون نقاش جدي.
هناك حاجة إلى حوارات صريحة مع الجيل الجديد، وإلى الاستماع الجاد لما يقول، بغض النظر عن درجات الاتفاق أو الاختلاف معه. هناك حاجة إلى بث الأمل في صدور هذا الجيل؛ ليس عن طريق إقناع أفراده بالقوة، أو غض النظر عن التحديات التي تواجههم، بل عن طريق إعطائهم المساحة الكافية للتعبير عن آرائهم من دون وجل، وتعظيم الشعور لديهم بأنهم شركاء حقيقيون في صناعة مستقبلهم، وأن رأيهم مهم لدى صانع القرار.
ليس من مصلحة أحد إدامة الشعور بالإحباط والغضب لدى شريحة واسعة من الشباب، تريد أن تكون جزءا من عملية صنع القرار الذي سيؤثر عليها بالدرجة الأولى؛ فهل نسمع؟