بعد توقف الحرب العدوانية على قطاع غزة، والوصول إلى وقف لإطلاق النار، بجهود ورعاية مصرية، فإننا الآن أمام مرحلة جديدة بكل تفاصيلها، وأساسها هو عدم الرجوع إلى الخلف في كل ما تم تحقيقه من انجازات على الأرض، والتي من أهمها تعزيز الوحدة الوطنية، والمحافظة على الأجواء السياسية الايجابية والوحدوية التي دفعنا ثمنها دما ودمارا كبيرين.
ما خلفه العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة من قتل ودمار ومآسي، يستحق من الجميع الوقوف أمامه ليس من باب حصر الأضرار، وتبيان وحشية آلة الحرب الإسرائيلية، وليس من باب تقديم الإغاثة العاجلة، أو وضع الخطط والآليات اللازمة لإعادة الاعمار، وإلحاق ذلك بإمكانيات خلق آفاق للاستثمار، فكل ما ذكر من وجهة نظري مهم وضروري وواجب المتابعة والعمل عليه، وأيضا وبالتوازي، علينا جميعا أن نقف لتقييم تداعيات وتأثيرات ما حصل في غزة على مجمل العمل السياسي الفلسطيني، داخليا وخارجيا، وما فرضته هذه المرحلة من توجهات أثرت على طبيعة العلاقات بين كافة أقطاب النظام السياسي الفلسطيني.
المطلوب الآن من الكل الفلسطيني الدفع باتجاه تعزيز الوحدة الوطنية والبناء عليها واستثمارها داخليا وخارجيا، والابتعاد عن كل التصريحات والممارسات التي يمكن لها أن تعكر هذه الأجواء، والتخلص من كل الشوائب التي علقت بالمرحلة السابقة، وتجاوز جميع الخلافات، والسعي للاتفاق على برنامج وطني تحرري يضع وإستراتيجية للتعامل مع المرحلة القادمة من خلال حوار وطني هادئ ومسؤول يجاوب على سؤالين مركزيين هما شكل المفاوضات التي نريد، وشكل المقاومة التي نريد، وما هي المرجعية السياسية للمفاوضات والمقاومة.
اعتقد بأن كلنا يتفق على أن التناقض الرئيس لنا هو مع الاحتلال، وكل شيء عدا ذلك هو تفاصيل علينا إقصائها وتجييرها لصالح تمتين مشروعنا الوطني. موضوع التقييم والمراجعة واستخلاص الدروس، والبناء على الايجابي، وتحييد كل ما هو سلبي، ومعالجة أسباب الخلل، كلها خطوات ضرورية وواجبة التنفيذ، وهي دعوة مفتوحة للجميع لتكثيف العمل من أجل الخلاص من الاحتلال، هذا الخلاص يتحقق عبر تمتين وحدتنا وجبهتنا الداخلية أولا، والارتقاء بالعمل السياسي واستكمال نقله من الحزبي الفئوي إلى الوطني الجامع، وترتيب تحالفاتنا على أساس مصالحنا الوطنية الجامعة، والابتعاد عن لغة التشكيك والتخوين، والتعامل مع الآخر السياسي ومع المواطن على أساس من الشفافية واحترام العقل والرأي.
الأساس استكمال ما بدأنا به وبدى حلما تحقق في نيسان الماضي عندما تم الإعلان عن البدء بالخطوات العملية لإنهاء الانقسام، وتشكيل حكومة التوافق الوطني، وما لحق كل ذلك من عدوان إسرائيلي متدحرج بدأ في الضفة الغربية ثم انتقل بشكل أكثر عنفا وهمجية إلى قطاع غزة، بهدف القضاء على بذور الوحدة الوطنية التي زرعت في مخيم الشاطئ، ولكن أثبت الشعب الفلسطيني بأن إرادته عصية على الكسر، لا بل توحد الشعب الفلسطيني خلف المقاومة سواء على الأرض في قطاع غزة، أو خلفها في القاهرة عندما التف كل الشعب حول الوفد الفلسطيني الموحد لمفاوضات القاهرة.
ما نريده من كل هذا هو عدم تبديد هذه الأجواء، التي غابت لسنوات عن المشهد الفلسطيني، ويمكن البناء على المبادرة التي قيل بأن الأخ الرئيس أبو مازن سيطرحها بعد أن تم التوافق عليها فلسطينيا، والتي تتكون من ثلاث مراحل وصولا إلى الدولة الفلسطينية المستقلة بحدود العام 1967، بعاصمتها القدس الشرقية، هذا الحل الذي يشكل قاسما مشتركا بين مكونات النظام السياسي الفلسطيني، بعيدا عن الدخول في تفاصيل ما تنص عليه البرامج السياسية لكل حزب أو حركة أو تنظيم منفردا.
الشيء الثابت هو أنه لا يوجد مشروع وطني بدون قطاع غزة ولا يوجد دولة فلسطينية بدون الضفة الغربية، وهما وحدة سياسية وجغرافية واحدة وعلى رأسهم القدس الشرقية، وواجبنا الآن يحتم علينا استكمال خطوات إنهاء الانقسام، وهذا يدعوني للقول بأن مهمة الوفد الخماسي الذي وقع على تنفيذ بنود اتفاق المصالحة في قطاع غزة، لم تنتهي بعد، بل أن مهمته تكتمل، بتنسيق الجهود بين الكل الفلسطيني وصولا إلى تطبيق كافة بنود اتفاق القاهرة في أقرب وقت ممكن، لنصل سويا إلى شاطئ الأمان، وهي الوحدة الوطنية التي ستقودنا حتما لدحر الاحتلال، فالوحدة ثم الوحدة ثم الوحدة هي خيارنا الأوحد وهدفنا الأول.