عروبة الإخباري- خاص – كتب سلطان الحطاب- قبل شهرين ونيف التقيت به في واجب عزاء حرص دائما ان يقوم به وعدت وفي نفسي ان اكتب عنه عن سيرة خصبة رافقت الاردن واثرت فيه وتاثرت به ولكني لم استكمل مقالتي بسبب انقطاع السفر وحين رجعت وانا عازم وجدت ان الملك القائد الذي ظل يبر بالمخلصين من ابناء الوطن قد كرمه بزيارة لمنزله والسؤال عنه ومرافقته جسديا لخطوات في الاستقبال والوداع تعبيرا عن تقدير الملك له واظهارا لدوره ..
احمد اللوزي .. الاسم الخفيف على القلب المكتنز بالانجاز والدور . والذي له من الحكمة والاعتدال ما ميزه عن اسماء كثيرة زاحمته في مراحل مختلفة ولكنه كان يظهر دونها بالتمتع بالحكمة والروية والقدرة على الكشف وتصغير الاشياء الكبيرة والاشراك في حلها وابقاء الصغيرة بعيدة عن التجاذب ..
كان من الصدف ان تكون مقابلة احمد اللوزي في جريدة صوت الشعب موضوعي الاول وانا عائد من الغربة لاقدم اوراق اعتمادي للصحافة من يدي استاذي الراحل ابراهيم سكجها مقابلة مع ابو ناصر الذي حدثني عن حياته منذ كان طفلا وحين مثل بين يدي الملك المؤسس عبدالله بن الحسين ليختبر لغته العربية واطلاعه على الادب وقد كان عائدا لتوه من بغداد حين درس اللغة والادب بها كانت تلك اللحظات في حياته كما قال اكثرها اشعاعا فقد احب بغداد حب البدوي الذي وفد اليها وكان وصوله لها كوصول علي بن الجهم الذي كان متاثرا بالبيئة الصحراوية فما ان تشرب ليل بغداد وسماءها الصافية ورقة نهرها حتى صدح بالقول (عيون المهابين الرصافة والجسر) .. فكان ذلك من اثر البيئة عليه وتاثيرها في شعره .. فهل كان احمد اللوزي الذي وفد الى بغداد بعيدا عن ذلك ؟ . وعن التاثر بذلك .. لقد هذبته اللغة واضاءت قلبه بمعانيها المرتبطة بالقران كما حركت لسانه الذي صقلته فاصبح مبينا. وقد عبر عن ذلك فيما كتبه في الخطاب الملكي زمن الملك الباني .. وقد زاده العمل في الديوان والى جانب الملك الراحل صقلا للشخصية وارتواء للذاكرة وذوقا للاحساس فكان ان بنى فوق ما اعطاه الله من حكمه حتى اصبح حكيما ” ومن اوتي الحكمة فقد اوتي خيرا كثيرا “..
حكمته لم تتجلى فقط في القضاء الاردني على المستوى الشعبي بل ادركت الفضاءات العربية وقد رايته في المغرب يقود باسم الاردن المسيرة الخضراء تأييدا للموقف المغربي كنت يومها اغطى فعاليات الصحراء للتلفزيون الليبي الذي كان يؤيد انفصال الصحراء . وقد احسست بصوابية الموقف الاردني ونبل مهمة احمد اللوزي رغم انني كنت اعمل مهنيا في الجانب الاخر الذي حاولت القيادة الليبية فيه دعم الانقسام نستطيع ان نقرا احمد اللوزي في نسيج المجتمع الاردني مصلحا وهاديا ومبشرا فقد اكد تلك الصفات ولم يكن ابدا نذيرا فقد ترك ذلك لغيره حين جعل من نبرته الواضحة وصوته الدافىء وابتسامته المقترنة بعمق بصره وبصيرته وحدة نظرته فاتحة بينه وبين قومه او من اراد له النصح لم ينجل بنصحه على الاخرين مهما كانت مواقفهم فقد كان يرى من النصح والتوسط اسلوبا بحل المشاكل وتقريبا لوجهات النظر واصلاحا للبين .
سياسات احمد اللوزي فيما تولاه من مضامين متقدمه من السلطة التنفيذية والديوان الملكي لم تفارق الشعبية المقترنة بالمسؤولية وكان حرصه ينصب على ان يظل الملك قريبا من الناس وان تظل الناس من شعبه تحبه وتدرك ان عمله منذورا لسعادتهم ..
تميزت فترات توليه المسؤولية بالهدوء وصدق المعاملة وعدم التلون او الكذب على الناس حتى حين كان يجتهد الناس في مواقفه او يتهمونه بالليونة فانهم كانو في النهاية ينصفونه ويدركون لماذا كان قراره هكذا ..
كان احمد اللوزي معلما وبقي معلما ينحاز الى الوضوح والشرح ومعاداة الغموض . والحب من التعليم والقراءة والعلم .. كان يدرك ان رسالة المعلم هي رسالة الانبياء ولذا انحاز اليها منذ تعاطيه المهنة بمحبة خاصة بهذه المهنة. وتقدير ملموس رات عيناه الحياة في الجبيهة التي كانت بيوتا لاهله مما جاءوا من السلط ليعمروا اطراف عمان التي بدات تنشا وقد حافظوا على مهنة الزراعة والرعي في ارضها الخصبة فاقاموا بيوت الشعر مع الحجرات في خليط حافظ على بداوتهم ومكنهم من ملامسة المدينة فيما بعد والشروع في اعمارها .. ومع اقامته في الجبيهة الا ان السلط انذاك كانت اكثر تطور لدرجة ان احدى الفتيات السلطيات التي زوجت لرجل من عمان رفضت الانتقال الى بيئة اقل تطورا واصعب عيشا من بيئة السلط . ولذا كان رحيله الى السلط من اجل ان يدرس في مدرستها الثانوية مرحلة مميزة في حياته . وقد حرص في السلط ان يتعرف على ابناء جيله واقرانه في المدرسة وهم كثر شكلوا فيما بعد القيادات الاردنية الذين نعرفهم ..
عام 1925 هو عام ولادته وكذلك عبد السلام المجالي وحمد الفرحان وباسم السالم وعبد الوهاب المجالي واعداد اخرى غيبها الموت واحتفظت الحياة باحمد اللوزي شاهدا وذاكرة فريدة .. وقد كان قصد بغداد للدراسة وبغداد كانت قبلة المتعملين حين كانت الملكية الهاشمية تغطيها بالاستقرار والعدالة وحين كان حكم فيصل الاول ومن جاء من بعده من الهاشميين يضمن لكل فئاتها والوان طوائفها واحزابها وتراكيبها الاجتماعية والسياسية والمذهبية نسيجا قويا متكاملا ووحدة وطنية عراقية متجانسة جرى التعبير عنها في الحكومة والجيش ومؤسسة البرلمان التي عرفها العراق مبكرا . فقد كانت تلك السنوات قد شهدت بناء العراق العظيم وبناء جيشه الذي كان قد مضى عليه يوم ولادة احمد اللوزي خمس سنوات فقط ( يناير كانون الثاني 1921)..
تدرج اللوزي في كل مراتب الحكم وفواصله . وكان يتقدم في كل ذلك بخطى راسخة فقد عرفه مجلس الامة دائما عضوا نشيطا مفكرا ومحللا واداريا كما عرفته الاعيان تحديدا بعد ان مارس السلطة التنفيذية من قبل . فكان عميد الرؤساء الاردنيين بحق وطليعتهم التي اعطت الكثير من المواقع التي شغلها ..
ولعمق خبرته واتساع رؤيته وحرصه فقد كان رئيس لجنة تعديل الدستور وتفسيره وهي المهمة التي لا تعطى الا لمن بلغ كما بلغ اللوزي الذي فتح الدستور بين يديه ليكون مشاركا في التفسير وبالتالي التعديل ..
واذا كان رجال الامة وعلماؤها مميزون بعلم ” الجرح والتعديل ” حين كانت المرجعيات الاسلامية تاخذ بذلك فقد كان اللوزي ثمرة لذلك واشتقاقا من تلك المعايير القائمة على الجرح والتعديل واختبار الرجال لاكثر من عهد ومرحلة ومهمة ..
فمن عملة في التعليم لاكثر من ثلاث سنوات في مدارس ثانوية في السلط وكلية الحسين .. الى التشريفات الملكية عام 1953 حيث شغل رئيس التشريفات الملكية عام 1956 . ثم الى الخارجية ليكون مديرا للمراسم وبعد ذلك اصبح نائبا في مجلس النواب عن العاصمة عمان في زمن صعب عام 1961 وتكرر انتخابه عن العاصمة اكثر من مرة الى ان عاد ليكون مساعدا لرئيس الديوان عام 1963 ومن ثم وزير دولة لشؤون رئاسة الوزراء عام 1964 وقد اختمرت خبراته الادارية ..
وفي عام 1965 دخل العينية عضوا في مجلس الاعيان وبقيت عضويته تتكرر وقد انخرط في كل اللجان وخدمها باخلاص وتميز في العمل بها ..
وفي السنة الصعبة عام 1967 عين وزيرا للداخلية للشؤون البلدية والقروية .. ثم وزيرا للمالية عام 1970 وحين جرى البحث عن رئيس للمجلس الوطني الاستشاري في الفترة ما بين 79- 82 كان احمد اللوزي هو من عجم الملك الراحل كنانته فوجده الاكثر مناسبة الى ان شكل الوزارة الاردنية الاولى برئاسته عام 1971 وشكل الثانية ايضا حتى عام 1973 وقد تدرج في مناصب عامة كان منها رئيسا للديوان الملكي الهاشمي من عام 1979 الى عام 1984 ولمدة خمس سنوات وقد حظيت بمقابلته حين تسلمت جائزة من الملك الحسين عن الطلبة المتفوقين في دبلوم الاعلام العالي من الجامعة الاردنية فكانت عبارته الرقيقة المشجعة لي بمثابة الوقود للمرحلة اللاحقة ..
وكانت من محطات حياته الهامة ايضا رئاسة مجلس الاعيان لسنوات طويلة من عام 1984 – 1997 الى ان استقال ليكتفي برئاسة مجلس ابناء الجامعة الاردنية عام 2000 ثم رأيناه يعود لقيادة اللجنة الملكية لتعديلات الدستور اخيرا في عام 2012 وبكفاءة عالية .. لديه حزمة واسعة من الاوسمة الملكية العالمية زينت منزله وصدره ..
ابو ناصر لم تفارق الابتسامة محياه .. ولم ينجل بالنصح لابناء جيله واحفادهم والاردنيين جميعا . وهو لم يغيب عن المنابر ولا الواجهات الاجتماعية في الافراح والاتراح فقد ظل يزينها ..
احمد اللوزي شخصية متكاملة اعطت لاكثر من سبعين سنة واستحقت لقب عميد رؤساء الوزارات . لقد ظل موقع ثقة ملوك الهاشميين الذي مثل بين ايديهم او كلف بمهمات لخدمة وطنه من لدنهم فقد وقف بين يدي ملوكهم من عبدالله الاول .. والملك طلال والملك الحسين وحتى الملك عبدالله الثاني الذي كرمه الاسبوع الماضي بزيارته الى منزله ..
اللوزي ابن الاردن البار والذي لم يفارق الاردن والحرص عليه وجدانه او بصره او سمعه بل ظل يلهج بالدعاء له ان يحميه المولى ..
مازال اسم احمد اللوزي حاضرا حيا قويا لم يغب ولم يعزل ..
ادعو له من قلبي بطول العمر فقد بقي دائما نموذجا ومثلا اعلى للكثير من الاردنيين الذين راوا في حكمته منهلا ثرا ينهلون منه … له طول العمر .. واحتساب ما قدم لوطنه في سجل ماثره !!