«كتائب عزالدين القسّام» تريدها معركة مع العدو الإسرائيلي «أشد ضراوة»… نتانياهو يعد باستجابة ضارية، والثمن حتى الآن تجاوز مئتي قتيل فلسطيني في ثمانية أيام، في مقابل قتيل إسرائيلي.
رغم ذلك، لن يأتي يوم تتذرع فيه «كتائب عز الدين القسّام» بأنها لو كانت تعلم أن الثمن سيكون هائلاً، بعدد الشهداء الفلسطينيين من أهل غزة، وبحجم التدمير الشامل، لما فعلت ما فعلته وتوعّدت.
وحال نتانياهو وصقور حكومته ممن يلومونه على تردده، لم تعد مباغِتة لا للفلسطينيين ولا لسواهم من العرب ممن يكتوون بين نيران الاستبداد و «داعش» والإرهاب بكل أنواعه.
ولأن أنهار الدم غزيرة، من بلاد الرافدين إلى ليبيا «الجماهيريات» مروراً بفلسطين المنكوبة بعشرات النكبات العربية، وبالعبثية في الرهان على إخضاع جنون اليمين الإسرائيلي بالقوة، يتجدد السؤال عن الفارق في طعم الموت: إن كان برصاص جيش المالكي وقذائف طائراته المستعارة، أو ببراميل «مكافحة الإرهاب» في سورية لتصمد «سورية الأسد»… أو بصواريخ إسرائيل التي تربح جائزة الأسد في التعاطف الأميركي مع عدوانها على قطاع غزة.
صواريخ «حماس» و «الجهاد الإسلامي» وقحة، في عين وزير الخارجية الأميركي جون كيري، وهجماتها «لا تغتفر» في حسابات الرئيس باراك أوباما الذي ربما أعطى الدولة العبرية ما لم يمنحها أي رئيس من أسلافه، ودائماً بذريعة «مكافحة الإرهاب». وعلينا أن ندرك دائماً بالمعايير الأميركية أن صاروخ «حماس» و «الجهاد الإسلامي» إرهابي، وصاروخ نتانياهو «تأديب للإرهاب».
لعل كثيرين تساءلوا منذ بدء عدوان «الجرف الصامد» على غزة، مَنْ يورّط «حماس» هذه المرة، خصوصاً بعد عودة الحرارة إلى علاقات طهران مع بعض الفصائل الفلسطينية، وفي ظل الهواجس المزمنة حول أثمان صفقة كبرى للملف النووي الإيراني، تدفعها إيران من دماء عربية. والجواب حتماً أكثر تعقيداً من البحث عمن علّم سلطة نوري المالكي الاقتداء بتجربة الأسد وجيش النظام السوري الذي قطف ثمار البراميل المتفجرة على رؤوس المدنيين، «مصالحات» ناجحة.
أما الإسرائيلي فسيذكِّر بخبرته في مطاردة خطوط الإمدادات الإيرانية، عبر السودان وغيره، لنقل الصواريخ إلى غزة. لكن الأهم بعد رفض فصائل فلسطينية، على رأسها «حماس» و «الجهاد الإسلامي»، الاقتراحات المصرية للتهدئة في غزة، هو قدرة القطاع وفلسطينييه على مواجهة العدوان الإسرائيلي الذي انحاز إليه الغرب متجاهلاً نتائج الحروب السابقة. فهل تمتلك تلك الفصائل من الصواريخ ما يكفي لفرض شروط هدنة جديدة على نتانياهو، وانتزاع مطلب رفع الحصار عن القطاع؟
تهديد «كتائب عزالدين القسام» رسالة إلى إسرائيل فحواها: نتحدّاكم… مَنْ يصمد أكثر. وهي كافية في حد ذاتها لتبرر حكومة نتانياهو مزيداً من الوحشية في قتل الفلسطينيين، وإطالة الحرب ما دامت «حماس» رفضت المبادرة المصرية. فالمطلوب في إسرائيل هو إقناع الحركة بقوة الصواريخ، وبنزع صواريخها التي «تسللت» في غفلة لتطاول حيفا للمرة الأولى، وتضرب القدس وتل أبيب وديمونا.
هل حرّكت إيران «الجهاد» لتنتزع مرونة أميركية- غربية في المفاوضات النووية، أم لتجر واشنطن إلى شراكة في الدفاع عن نوري المالكي وسلطته، بذريعة إنقاذ وحدة العراق من أنياب «داعش»؟ هل يتملك الوهم «الجهاد الإسلامي» بأن جر العدوان الإسرائيلي إلى مزيد من التورط في دماء غزة، سيرغم الغرب على غلّ يد نتانياهو وإجباره على رفع الحصار؟
الأكيد أن ما تغيّر منذ حرب 2012 على القطاع، هو ترسانة صواريخ مداها يطاول عشرات المواقع في إسرائيل. لكن الأكيد أيضاً أن الطرف المتفوق بقوة سلاح الجو، وبورقة «مكافحة الإرهاب» في الحسابات الأميركية- الغربية، لن تلجمه بيانات التنديد أو أرقام الضحايا، فيما مئات العرب يُقتَلون كل أسبوع برصاص عرب وصواريخهم وبراميلهم… وأخبارهم حدثٌ عادي لدى الغرب «الأخلاقي».
ليس وارداً بالطبع، أن تبني «حماس» أو «الجهاد الإسلامي» معادلات الصمود والربح والخسارة، بمعايير ردع العدو بالاعتبارات الإنسانية- الأخلاقية. في المقابل، أي معادلة تريدها المقاومة إذا ظنت أن بالإمكان استنساخ نتائج حرب تموز (يوليو) 2006 التي انتهت بمنطقة عازلة في جنوب لبنان، أبعدت صواريخ «حزب الله» عن إسرائيل وقواعدها؟
بعد مئتي قتيل سقطوا في العدوان الإسرائيلي، سقطت كذلك المصالحة بين «حماس» والسلطة الفلسطينية، على وقع انقسام جديد إزاء الاقتراحات المصرية للتهدئة. لعل الرئيس محمود عباس نفسه فوجئ بالترسانة الصاروخية في قطاع غزة، أكثر بكثير مما باغتت «المبادرة» المصرية «حماس» والممانعين لتهدئة وراء أسوار الحصار.
زهير قصيباتي/بالبراميل… أشد ضراوة؟
17
المقالة السابقة