عروبة الإخباري – احتفل منتدى طلال ابوغزالة المعرفي في مقره، أول من أمس باشهار كتاب «انها الدنيا» للكاتبة رولا نصراوين بحضور العديد من الكتاب والمثقفين والمهتمين. واستهل الحفل الدكتور طلال ابو غزاله بقراءات من صفحات الكتاب، لافتا الى قيمة الصور والتعابير الاتية من رؤى وافكار الكاتبة.
تحدث في الحفل الذي اداره الاعلامي احمد الطراونة، ثلاثة نقاد هم: د. راشد عيسى ومحمد سلام جميعان وحسين نشوان حيث اشادوا في اسلوبية كتاب «انها الدنيا» الصادر حديثا عن دار الان ناشرون وموزعون ، وما ينطوي عليه من تجليات ودلالات بليغة مفعمة بالصور والترانيم العذبة، حلقت فيها المؤلفة بفضاءات من الحزن الصوفي المغمس برياحين من الطبيعة والانوثة والموروث الروحي.
فيوض وجدانية
وقال عيسى ان رولا نصراوين في كتابها الجديد «لأنها الدنيا» زهرة ندية مكابرة تحتج على الاشواك وتجعل من قطرة الندى فوقها دمعة باسمة. هذه كتابة اردنية اجتهادية تبشر بميلاد بشارة ابداعية طهرانية.
واضاف هذا الكتاب فيوض وجدانية وبوح رومانسي رقيق مبهر بالصدق والعفوية, ومصوغ بجماليات تعبيرية رشيقة لا اثر فيها للتعقيد والتكلف انها تقدم مشاعرها ومواقف قلبها وفكرها بشجاعة خجولة وبساطة يذكر ببدايات جبران خليل جبران، فالكاتبة تعرض احاسيسها المحتجة على اخلاق الدنيا بروح شفافة وصور شعرية رائقة كقولها: ليت للحنين اجنحة او الليلة سأتصدق بحبك على جميع الفقراء والمساكين, الليلة اعيد ترتيب حكاياتي ابيعها في سلة من قش في شارع الاحلام.
وبين ان الكاتبة حلقت في فضاءات الحزن الصوفي الكوني بوجدانية صادقة فهي تكرر لفظة الروح في الكتاب عشرات المرات, ذلك لأنها الثيمة ثملة روحي في رحلتها, وحدي أحمل انكسار داخل الجسد, روحي تترنح تتخبط داخل جدران جسدي. وفي مثل هذه التجليات نسمع أنين الانسان أمام جبروت الدنيا ونعيش تأملاته الحزينة أمام اسرار الحياة.
الأسرار الإنسانية
بدوره رأى جميعان في كتاب «لأنها الدنيا» براعة في الغوص في بئر الاسرار الانسانية, وتستنهض الكاتبة ذاتها وضعاف الايمان وقليلي الحيلة, وتزيح عنهم زبدة الطين وكل ما يجتذب ألوان النور. ففي كل عبارة وعنوان في هذا الكتاب لا نكون نحن القارئين فحسب, بل نحن حروفه وكلماته, لأننا مع كل قراءة متجددة له, ننطوي, وينطوي علينا مغزاه, الذي يؤسس لمعنى الحق والواجب والضمير, والكمال والجمال.
واوضح ان نصراوين استطاعت بديباجة عبارتها ان تحوّل كل ما هو خصوصي وذاتي الى جمعيّ وعام, لأنها تلامس مبادئ خالدة متجددة لا اهواء بائدة متقلبة. فالانسانية الحقة لا تتخلى عن الحياة بل تسعى اليها هانئة راضية, لأن الدنيا باطلة مزيفة.
الكتابات التصوفية
وقال الناقد حسين نشوان يمثل العنوان العتبة الرئيسية لقراءة النصوص الداخلية، ويرتبط ُ معها بحبل سري ووشائجَ لا تقف عند احتمال واحد، ويشكلُ العنوان المفتاح السري للنص. وهو أيضاً يمثل المقدرة التركيبية التي يجتمع فيها باعث النص، وروافعه حيث ينطوي العنوان على مثيرات تبدو متضادة، ولا أقول متناقضة، بمعنى احتمال الوجود دون نفي الآخر. مضيفاً وبإزاء تلك الثنئايات فإن الحديث عن أحدهما يذكر بالأخرى، وهذا الحضور الطاغي، يستجلب «الغائب»، فرولا نصراوين من خلال كتابها «لأنها الدنيا» ليست أرضية. بل تنهض منها لتقطف الفكرة من مضادها العلوي والقداسي، وحتى حينما تقف عند تضاريس الدنيوي، فإنما تقف لذريعة تذكر بـ»بالمثال» و»النموذح» والقداسي بالمعنى الإنساني. وقال من هنا يمكن فهم نصوص رولا، بأنها قريبة من الكتابات التصوفية أو الطهرانية التي تعتمد على ، التأمل والحلم، والأسئلة والمكانات الفردوسية التي تنطوي على السلام.عاداً ان ما يمكن القول عن المؤلفة ايضا أنها تكتب عن ذاتها، ليس ذاتها المفردة، بل الجمعية للتعبير عن القلق الوجودي للإنسان في هذا العالم والوجود.
الحفل الذي قرأت فيه الكاتبة نصراوين نصاً منوعة فيه على فصول العام وأشهر السنة، رافقها المونتير وجدي نصراوين بمقطوعات موسيقية، بينما قرأ الطفل عمر قوقزة من ذوي الحاجات الخاصة، نصا من الكتاب، ورسمت الطفلة أسيل بشار من ذوي الحاجات الخاصة من الأكاديمية الملكية للمكفوفين لوحة أهدتها للدكتور أبو غزاله، إلى ذلك أعرب فائق نصراوين عن شكره لكل من ساهم في إنجاح الحفل والكتاب.
وكان اشاد الاعلامي الطراونة بصروح طلال أبو غزالة المعرفية التي قدمت نموذجا يحتذى في الدفاع عن المشروع الثقافي الملتزم، فكان ان كرس قيما مؤسسية عابرة للمكان والزمان، تستند في جذورها الى وعيه المطلق بأن الثقافة هي الحصن الأخير الذي لا يزال الرهان عليه قائما.
وقال ان ابو غزالة يؤمن بالفن والإبداع، يستند على ارث ثقافي متنوع في رعاية الإبداع، فرحلته مع الفن ابتدأت منذ الصغر حيث عمل في متجر للموسيقى مما صقل حبه للموسيقى بشكل عام والكلاسيكية بصفة خاصة وبالتحديد الموسيقار فاغنر، وهو يرى انه لابد ان يكون هنالك رؤية واضحة تتحدث عن دخولنا إلى عالم المعرفة، فلا يمكن أن نظل بعيدين عن ذلك في انتاجنا الفني والثقافي.
تحدث الطراونة في سياق تقديمه للمتحدثين عن دار الان ناشرون وموزعون والتي تأسست في الاردن لمجموعة من المثقفين، وانها لا تبحث عن الربح المادي، بقدر ما كان مؤسسوها يبحثون عن حلم كانوا يتوزعونه مع اقرانهم من المثقفين والادباء الذين يعانون من عقبات النشر التي كانت تواجه الابداع وتلوي ذراع المبدع.
يشار إلى أن الكتاب وهو الثاني للمؤلفة بعد «هكذا تكون البداية» يقع في اكثر من مئة صفحة من القطع المتوسط، ويشتمل على عدد من النصوص والخواطر الشعرية التي تنوعت بين الرومانسية والتأملية والوجدانية.