عروبة الإخباري – العاشر من حزيران (يونيو) هو يوم الجيش وذكرى الثورة العربية الكبرى، يخطر في البال عند ذكرهما الأحداث العظيمة في تاريخ هذه الأمة، حيث وقف الهاشميون وفاء لواجبهم ومسؤولياتهم التاريخية، وقادوا أبناء هذه الأمة في أعظم ثورة شهدتها في تاريخها الحديث، حيث كانت البداية الأولى لنهضة الأمة ووحدتها والخطوة الأولى على طريق تحررها.
وحين نتحدث عن مثل هذه المناسبات فإننا نتحدث عن تاريخنا القومي الحديث الذي كانت فيه الثورة العربية منطلقنا، وكلما حددنا توجه حركتنا القومية كانت أسس الثورة الكبرى قواعدنا، وعندما نحصي محطات مسيرتنا الخيرة كانت الثورة العربية أولها فأصبحت المرجع الذي يجمعنا والرسالة التي نحملها.
ففي مضمونها توحدت مشاعر العرب في كل أقطارهم، فما كانت ثورة آنية لنقف عند نتائجها المباشرة ولم تكن معركة أفرزت لنا المنتصر من المهزوم ولكنها كانت فكرا قوميا توحد على يد قائد هاشمي فامتد عبر السنين والأجيال يوجه مسيرة أمة ويرسم لها معالم آمالها وأحلامها وتطلعاتها.
لقد مثلت النهضة بكل ما تعنيه الكلمة منعطفا تاريخيا انتقل معه العرب من حالة الى حالة بعد حوالي أربعمائة عام من الحكم العثماني، الذي طال كل مناحي حياة الأمة العربية، ولم يسهم هذا الحكم في تقدم العرب أو مساواتهم بمن هم مثلهم في ظل هذا الحكم او إعطائهم أبسط حقوقهم السياسية والاجتماعية والاقتصادية. لذلك كان أفق هذه الثورة هو الوطن العربي بأكمله، ومضمونها قومي يتعدى الحدود الإقليمية الضيقة والأهداف الشخصية الزائلة، والمشاركة فيها جماعية ضمت المناضلين العرب في معظم أقطار المشرق العربي وغاياتها سياسية قومية تهدف إلى تحقيق الإرادة السياسية الحرة وتأسيس الكيان القومي المستقل فاتسمت بالشمولية ووحدة الإرادة والهدف حتى شملت كل عربي كائنا من كان.
لقد جاءت الثورة العربية الكبرى دفاعا عن الدين والبلاد وأمة العرب حيث تحولت تركيا إلى دولة علمانية يتحكم بها جمال باشا السفاح، وأمثاله ويعلقون المشانق للأحرار ويخنقون الحرية في نفوس كل من يطالب بها، كحق جبله الله تعالى مع كل نفس بشرية انطلاقا من أن كل مولود يولد حرا كريما لا يقبل الظلم أو الضيم أو الاستبداد ولكن هذه الصفات كانت هي الغالبة على قادة الدولة العثمانية عندما نادت بتتريك لغة القرآن ولغة العرب، وعاثت تفسد ما لم يطله الفساد وتقمع وتشرد وتشنق كل الذين لبوا نداء الفطرة بحثا عن استقلال إرادتهم وحرية رأيهم وتعبيرهم.
فهم لم يتعودوا أبدا ان يكونوا عبيدا لاحد فهم السادة منذ ان خلقوا وهم الأحرار الذين نمت الحرية في نفوسهم كما تنمو الغرسة على ماء عذب رقراق فبحثوا عن سيد من قريش فيه الشجاعة والخلق والذكاء والفطنة ويكلل هذه الصفات نسب هاشمي عريق امتد الى بيت النبوة المتسم بالطهر والشرف والعفاف والأصالة فاستقر الأمر بأن يكون الحسين بن علي شريف مكة، والأدرى بشعابها فهو الذي خبر السياسة ومارس شؤونها وخبر مداخلها ومخارجها وعرف توجهات السلاطين وقدراتهم واهتماماتهم، فهو الأقدر والأجدر على حمل أمانة الأمة التي طال انتظارها لمثل هذا اليوم وطال شوقها وتوقها الى الحرية الحمراء لتدق بابها بيد مضرجة بعد هذا السبات الطويل والظلم الذي ران على قلوب الأمة فحان الوقت لانتشال الإنسان العربي من هذا الواقع المسكون بالظلم والجهل لينطلق حرا مستقلا يعيش حياة فضلى كريمة وليثبت حضوره وتميزه وليعيد إلى الأذهان حضارته ويدافع عن تراثه العربي الإسلامي الذي لم يسلم من التحريف والتغيير والتغييب.
ولقد كان هذا التوجه القومي إلى الحسين بن علي بحمل لواء الثورة ورسالة النهضة وآمال اليقظة العربية بداية الانعتاق مما كان والانطلاق نحو ما يجب أن يكون فتمت المبايعة وتنادى الأحرار من كل صوب وحدب ونسوا كما هي عادة العربي الأصيل مر العيش وشظفه وركنوا الجوع والمرض والفقر وجعلوا منها سيوفا وخيولا تحمل فوق أسنتها وأعناقها أمل كل عربي يحلم بالحرية والاستقلال والكرامة وما تأخر أنجال الحسين بن علي عن حمل هذا الشرف والرسالة مع والدهم فكانوا الوزراء والسفراء والقادة وقبل هذا وذاك كانوا أمراء الحرية وسدنة البيت الحرام مسرى جدهم ومهبط الوحي ومنبت الرسالة الممتدة من الأجداد إلى الأحفاد ومن هنا كان الاختيار لهذا البيت مكانا لإنطلاق ثورة العرب امتدادا لرسالة الإسلام والسلام والمحبة والحرية.
لم تكن الثورة العربية الكبرى وليدة لحظات أو تلبية لنزعات شخصية بل كانت تراكمات كثيرة من الاستعداد والتحضير والتفكير في كل ما يمكن ان تواجهه من معيقات وكل ما يجب أن يتم تحضيره على كل المستويات العسكرية والسياسية والاجتماعية والاقتصادية وعندما كانت الظروف التي يعيشها العرب في ظل الدولة العثمانية لا تمكنهم من القيام بهذه الثورة وهم الذين لا يملكون من مقوماتها المادية الا النزر اليسير ولكنهم يملكون الإرادة والتصميم والتحدي , ومن هنا ونظرا للمتغيرات السياسية الكثيرة على الساحة الدولية آنذاك فكان لا بد من التحالف مع إحدى الدول الكبرى.
كانت بريطانيا تسعى من جانبها الى هذا التحالف الذي يقوي موقفها في الحرب العالمية ويضعف من موقف ألمانيا التي سعت بكل جهودها وتمكنت من إقناع الدولة العثمانية بالانضمام اليها في الحرب العالمية الأولى ضد بريطانيا وفرنسا وقد تمكن الشريف الحسين وبنوايا المسلم الصادق والعربي الأصيل ان يأخذ وعودا بريطانية بتقديم المساعدة للعرب في هذه الثورة للحصول على استقلال بلادهم ونيل حريتهم وقد حدد الشريف الحسين بن علي مطالب الأمة العربية وما اتفقت عليه شعوبها من خلال ممثليهم موضحا وبكل جلاء ان هذه المطالب لا يمكن التنازل عنها أو التفريط بها وأن أي دولة تساعدنا للحصول عليها ستجد من جانبنا كل الوفاء لما يبرم بيننا من اتفاقيات تضمن لنا حقوقنا التي من اجلها سعينا وراء هذه التحالفات ولكنها (أي الدول الحليفة) كانت تظهر شيئا وتضمر أشياء كثيرة اتسمت بالخيانة والغدر الذي لم نتعود عليه في حياتنا الإسلامية العربية الأصيلة.
وتمثل هذا الغدر بوعد بلفور وسايكس بيكو وسان ريمو والتغير بإمدادات السلاح والأموال والمساعدة العسكرية بشتى صورها وأشكالها حتى كانت هذه الوعود والاتفاقيات المبرمة والخيانات المتتالية أثقل من قتال الدولة العثمانية ولم تنته هذه الخيانات والمساومات حتى بعد انتهاء الثورة وتحقيقها لبعض أهدافها على الأرض بل استمرت في صور أخرى وصلت إلى تغيير مجرى الأحداث من مواجهات مع الجيش العثماني إلى مواجهات مع الجيش الفرنسي وتقاعس واضح ومخطط له وسكوت عن الحق من قبل الجيش البريطاني.
ويعزز هذا كله تحالف بريطاني فرنسي صهيوني لتقسيم البلاد العربية والانتداب عليها واستغلال ثرواتها حتى وصل الأمر إلى طرد من قادوا ثورتها خارج البلاد التي ارتوت من دمائهم وتردد في شعابها صهيل خيولهم حيث تبعد بريطانيا رمز الوحدة والحرية والاستقلال وما يزال صدى صوته ينبعث بعد عقود من الزمن ويبشر بقدسية الرسالة “إنني أحب قومي وبلادي وديني أكثر من أي شيء في هذا الوجود” ولكن هذا الحب سيبقى يذكي في نفوسنا معاني التضحية والفداء ومعاني الحرية والوحدة والاستقلال وستبقى تلك الرسالة الممتدة عبر الأجيال تنير لنا الطريق نحو العطاء الموصول والأمل المتجدد وتبعث في هذه الأمة ما يكفل لها البقاء والتماسك أمام كل المتغيرات المتسارعة وأمام كل التحديات التي تواجهها.
القوات المسلحة الأردنية- الجيش العربي
الجيش العربي الأردني وارث رسالة الثورة العربية الكبرى هو الامتداد الطبيعي لجيشها وفيلق من فيالقها ارتبط تاريخه بتاريخها ارتباطاً عضوياً وتشكلت نواته من النخبة التي اتحدت تحت راية سمو الامير عبد الله بن الحسين في الحادي والعشرين من تشرين الاول العام 1920 في معان بعد ان كان لها الدور الكبير في عمليات الثورة العربية الكبرى التي انطلقت من بطحاء مكة على يد الشريف الهاشمي الحسين بن علي العام 1916.
شكل الجيش العربي ركناً اساسياً من اركان الدولة الاردنية وكانت له مساهمة كبيرة في تطور الدولة وتحديثها على المستويات كافة وكان ينمو مع نمو الدولة ويتطور بفضل الرعاية الهاشمية المتواصلة منذ عهد الملك المؤسس عبد الله بن الحسين الذي اراد له ان يكون جيشاً عربياً مقداماً يحمل راية الثورة العربية التي استمدت الوانها من رايات الأمويين والعباسيين والفاطميين، ومن ثم أكمل بنو هاشم مسيرة بناء هذا الجيش منذ عهد جلالة المغفور له الملك طلال بن عبد الله وجلالة المغفور له الملك الحسين بن طلال وصولاً الى عهد جلالة الملك عبدالله الثاني الذي اكمل المسيرة ووصل بالاردن وجيشه المغوار إلى مراتب التميز.
بدأ تأسيس الجيش العربي في معان في الفترة الاولى من تأسيس إمارة شرق الأردن العام 1921 وبعد تشكيل أول حكومة اردنية تم تأسيس اول قوة عسكرية بلغ قوامها 750 رجلاً من الدرك والمشاة النظامية والهجانة سميت بالقوة السيارة وتولى قيادتها الكابتن البريطاني فريدرك بيك وكانت اولى مهامها توطيد الامن والاستقرار في البلاد وتولى سمو الامير عبد الله منصب القائد العام للجيش وعمل عندها على تنميته وتزويده بالاسلحة وفق الامكانيات التي كانت متاحة آنذاك.
في العام 1923 ضمت القوتان تحت اسم (الجيش العربي) الذي أراد له الأمير عبد الله هذا الاسم وعمل على القضاء على حركات التمرد والعصيان وصد الغزوات، وفي الثاني من شباط العام 1927 صدر قانون للجيش اطلق عليه قانون الجيش العربي لعام 1927 وفي العام 1930 وهو العام الذي عين فيه الميجر جون باجت كلوب مساعداً لقائد الجيش العربي تألفت قوة عسكرية صغيرة تحت اسم قوة البادية التي تسلم قيادتها الرائد جون كلوب كانت مهمتها المحافظة على الامن والاستقرار واتخذت من القلاع مراكز لها ونعمت البلاد بفضل هذه القوة بالامن والاستقرار الذي لم تشهده من قبل.
وفي ربيع العام 1939 وهو العام الذي اندلعت فيه الحرب العالمية الثانية كان كلوب باشا قد تولى قيادة الجيش العربي حيث وصل عدد افراد الجيش الى 1600 رجل وأخذ الأمير عبد الله يعزز تنظيم الجيش العربي على اسس حديثة وبدأ التوسع فيه حيث بدأت قوة البادية بكتيبة ثم اصبحت ثلاث كتائب وفي العام 1940 كان الضباط في الجيش كلهم عرباً باستثناء كلوب باشا وفي ذلك دلالة على التفكير الواعي للقيادة الهاشمية التي ارادت لهذا الجيش منذ البداية ان يكون جيشاً عربياً هاشمياً مصطفوياً، وفي هذه الفترة كان الامير عبد الله حريصاً على استمرار بناء الجيش على اسس جديدة تأخذ بعين الاعتبار عبء المسؤولية الملقاة على عاتقه وتم تشكيل كتائب المشاة الاولى والثانية والثالثة ، وفي العام 1943 وصل تعداد الجيش الى حوالي 6000 رجل شاركوا في الحرب العالمية الثانية في العراق وسورية وأعيد تنظيم الجيش وانضوت قواته تحت ثلاثة الوية بالاضافة الى الكتيبة الرابعة وحاميتين واستمر الجيش بالتطور الى ان وصل تعداده عام 1945 نحو 8000 جندي وضابط وكان منظماً في ست عشرة سرية مستقلة وقوة شرطة مؤلفة من ألفي رجل.
في الخامس والعشرين من ايار 1946 حقق الامير عبد الله بن الحسين طموحات الشعب الاردني باستقلال البلاد وبويع ملكاً دستورياً عليها وظل جلالته يواصل مساعيه في تنمية الجيش وتعزيز الروح العسكرية فيه رغم الصعوبات التي كانت تواجهه آنذاك.
مرحلة ما بعد الاستقلال
ظل الملك المؤسس يرعى الجيش العربي ويعمل على تنميته وتطويره حتى بلغت قوة الجيش العربي في أيار العام 1948 تتألف من اربع كتائب آلية وبطاريتي مدفعية وسبع سرايا مشاة وكان للجيش العربي مشاركته المشرفة في حرب فلسطين العام 1948 وقدم صفحات مشرفة وقوافل الشهداء التي لا زالت ارض فلسطين تنعم بنجيعها في بوابات القدس واللطرون وباب الواد وجنين وغيرها وعندما وجد الملك عبد الله بن الحسين أن جبهة المواجهة مع اسرائيل اخذت تزداد واصبحت اكثر اتساعاً دفعه ذلك الى إعادة تنظيم سرايا المشاة وتشكلت الكتيبتان الخامسة والسادسة وتواصلت عملية النمو والتوسع في الجيش العربي .
ففي العام 1951 ضم فرقة تتألف من ثلاثة الوية وانشئت قبل ذلك بعام مدرسة للمرشحين لتخريج الضباط بما يتلاءم وحاجة الجيش المتزايدة اضافة الى عدد من المدارس الفنية ومدارس الاسلحة لتدريب الضباط كما بدأت في تلك الفترة نواة سلاح الدروع والمدفعية والهندسة وبلغ تعداد الجيش العام 1951 ما يقارب 12 ألف رجل.
في تموز من العام 1951 انتقل جلالة الملك المؤسس الى الرفيق الاعلى ليكتب عند الله شهيداً على بوابة الاقصى ضارباً المثل الاعلى في التفاني والتضحية من اجل الوطن والامة وتنتقل الراية في ايلول العام 1951 الى الملك طلال بن عبد الله حيث كان الاردن واقعاً تحت ضغوط الاعتداءات الاسرائيلية وفي ذلك الوقت شكل الحرس الوطني وكان قوة احتياطية مهمة تقوم بمساعدة الجيش العربي في الدفاع عن ثرى فلسطين الا ان الاقدار كانت محتمة حيث ساءت صحة جلالته مما ادى الى تنحيته عن العرش.
في الحادي عشر من آب العام 1952 نودي بجلالة الملك الحسين بن طلال رحمه الله – ملكاً على البلاد مترسماً نهج الألى في متابعة المسيرة الخيرة ورغم ما كان يمر به الاردن من فترة عصيبة من حياته السياسية حيث استمرت حوادث خرق الهدنة وتبادل اطلاق النار وصّعدت اسرائيل من عمليات الاغارة عبر الحدود الاردنية ورغم ذلك فقد شهدت القوات المسلحة التطورات المتسارعة فكان تاريخ الاول من آذار العام 1956 يوماً مميزاً في تاريخ الاردن المعاصر ويوماً يسجل بأحرف من نور في ذاكرة الوطن الخالد ، وفي الاول من آذار لعام 1956 اتخذ جلالته قراره القومي والتاريخي بتعريب قيادة الجيش العربي لتكون القيادة عربية اردنية وتم الاستغناء عن خدمات كلوب باشا والضباط الانجليز.
ويستمر التطور على مستوى القوات المسلحة لنحط عند محطة مهمة وهي الغاء المعاهدة الاردنية البريطانية العام 1957 للتخلص من بقايا النفوذ والسيطرة الاستعمارية والتدخل في الشؤون الداخلية للاردن.
واستمر الاهتمام بالجيش درع الوطن وحصنه المنيع وانطلقت يد الحسين باعادة بناء الجيش حيث اصدر جلالته العام 1956 اوامره بفصل الدرك عن الجيش والحاقه بوزارة الداخلية وعمل على الارتقاء بالجيش وقيادته تسليحاً وتنظيماً وتابع جلالة الحسين رحمه الله عملية بناء الجيش بدءاً بالتأهيل والتدريب واكتمالاً بالتسليح والتجهيز الى ان وصل الجيش مصاف الجيوش الكبرى.
أيام لا تنسى في تاريخ الجيش العربي الاردني
خاض الجيش العربي الاردني العديد من معارك الشرف والبطولة في العديد من الأقطار العربية خاصة على ثرى فلسطين الطهور.
وكانت للجيش العربي مشاركاته المشرفة في العديد من معارك الشرف والبطولة ليس على مستوى الاردن فحسب وانما تعدتها الى فلسطين والجولان ومصر ومشاركة فاعلة ومشهود لها في الحروب العربية الاسرائيلية 1948، 1967، 1968، 1973 وقدم الاردن في سبيل ذلك الكثير من الشهداء الذين لا زالت الارض العربية تنبض بدمائهم الزكية فقدموا في سبيل القضية الغالي والنفيس فكان نضال الهاشميين والجيش العربي في سبيل الله اولاً ثم في سبيل رفعة الأمة وكرامتها.
القوات المسلحة الأردنية في عهد الملك عبدالله الثاني
منذ اللحظة الأولى لتسلم جلالة الملك عبد الله الثاني المعظم سلطاته الدستورية أولى القوات المسلحة جل اهتمامه ورعايته، لتواكب العصر تسليحاً وتأهيلاً فسعى جلالته لتطويرها وتحديثها لتكون قادرة على حماية الوطن ومكتسباته والقيام بمهامها على أكمل وجه مثلما سعى إلى تحسين أوضاع منتسبيها العاملين والمتقاعدين حيث أصبحت مثالا ونموذجاً في الأداء والتدريب والتسليح تتميز بقدرتها وكفاءتها القتالية العالية بفضل ما أولاها جلالة القائد الأعلى من اهتمام كبير بحيث هيأ لها كل المتطلبات التي تمكنها من تنفيذ مهامها وواجباتها داخل الوطن وخارجه.
وبتوجيه من جلالته يتطلع هذا الجيش مع كل مؤسسات الوطن لأن يصبح الأردن دولة الإنتاج والاعتماد على الذات حتى يتمكن هذا الجيش من ممارسة دوره وتلبية احتياجاته.
من جانب آخر فقد ترسخ تواجد القوات المسلحة في ميدان حفظ السلام العالمي كقوة فاعلة واليوم نحتفل بمرور 25 عاما من المشاركات الدولية في ارجاء المعمورة حيث استطاعت هذه القوات أن تنقل للعالم صورة الجندي الأردني وقدرته على التعامل بشكل حضاري مع ثقافات وشعوب العالم المختلفة في هاييتي وتيمور الشرقية والكونغو وليبيريا وساحل العاج وأفغانستان وغيرها، وأصبح الجيش العربي الأردني يرفد الدول الصديقة والشقيقة بالمدربين والمختصين المحترفين في مجال عمليات حفظ السلم والأمن الدوليين وتم إنشاء معهد تدريب عمليات السلام كمركز إقليمي وعالمي للتدريب.
وكان تمرين الأسد المتأهب بحلته الرابعة 2014 وبمشاركة من 22 دولة صديقة وشقيقة وقرابة 13 الف جندي والذي نفذته القيادة العامة تعزيزاً لدور الجيش العربي وسمعته العالمية فقد شاركت فيه قوات برية وبحرية وجوية وعلى ميادين القوات المسلحة وبإدارة مباشرة من القيادة العامة لدليل أكيد على أهمية الأردن وقيادته وجيشه والمستوى الذي وصل إليه.
شعار الجيش العربي
تميزت القوات المسلحة الأردنية ـ الجيش العربي بالسمعة الطيبة وحسن انضباط منسوبيها، كما تميزت بمستوى احترافها القتالي العالي الأمر الذي انعكس ايجاباً على أدائها وأهلها للقيام بمهامها سواء على صعيد الدفاع عن الوطن والمحيط العربي أو المشاركة بمهام حفظ السلام الدولية والمهام الإنسانية ، حيث يعتز رجال الجيش العربي بالشعار الذي يزين جباههم بلونه الذهبي ومعانيه السامية والذي منه يستمد العزم والعمل، أما الاحتراف والتميز فهما عنوانان آخران لهذا الشعار، ففيه يحتضن التاج الملكي بسيفين متقاطعين يرمزان للقوة والمنعة، كما يحتضن التاج الملكي والسيفان المتقاطعان إكليل الغار الذي يرمز إلى البطولة ويدل على الخير والسلام، ويوسط الشعار هناك عبارة (الجيش العربي) التي تتضمن معاني قومية ووطنية سامية. ومن يقرأ بتأن مضامين وأبعاد هذا الشعار فإنه سيصل في النهاية الى حقيقة راسخة أن رجال هذا الجيش جنود متميزون ومحترفون سواء على الصعيد القتالي أم الإنساني.
الدور التنموي للقوات المسلحة
القوات المسلحة الأردنية تعتبر من أكبر وأقدم المؤسسات الوطنية في الأردن فهي بالإضافة لقيامها بدورها الرئيس في الحفاظ على سلامة واستقرار الأردن وأمنه الوطني فقد حققت نجاحاً في الإسهام بدور بارز وفاعل في ميادين التنمية من خلال المشاركة بشكل جاد في تخطيط وتنفيذ العديد من المشاريع من أجل تحقيق حياة أفضل للشعب الأردني.
فقد ساهمت في تهيئة القوى البشرية، حيث استوعبت القوات المسلحة بمختلف أسلحتها وصنوفها وبشكل مستمر مئات الآلاف من أبناء الوطن للقيام بتنفيذ مهامها سلماً وحرباً وذلك بحكم المسؤوليات الهائلة الملقاة على عاتقها، حيث تتولى تعليم وتدريب وتربية من ينخرط في صفوفها ضباطاً وأفراداً بخطط وبرامج تأسيسية ومتوسطة ومتقدمة.
وتحوي القوات المسلحة في صنوفها المختلفة جميع معارف ومهارات القوى البشرية المعروفة تقريباً، ويصل عدد اختصاصات المهن فيها ما يقارب ثلاثمائة اختصاص تشمل المهن الإدارية والهندسية على اختلافها من إنشائية وميكانيكية وكهربائية وإلكترونية والمهن الطبية وغيرها.
كما تساهم الخدمات الطبية الملكية بدرجة كبيرة في تقديم الرعاية والعناية الطبية في البلاد من خلال تقديم الرعاية الطبية الوقائية والعلاجية لمنتسبي القوات المسلحة الأردنية وبقية الأجهزة الأمنية وتوفير التأمين الصحي لجميع المنتفعين من ذويهم (أي ما يعادل ثلث سكان المملكة) وذلك من خلال مستشفياتها المنتشرة في أنحاء الوطن، بسعة 2412 سريرا، إضافة إلى معالجة المحولين من المستشفيات الحكومية والخاصة الأخرى.
وتساهم مديرية التربية والتعليم والثقافة العسكرية ومعهد اللغات ومعهد الحاسوب وغيرها من معاهد القوات المسلحة في تقديم خدمات تعليمية واجتماعية مميزه لشرائح واسعة من المجتمع الأردني من أبناء العسكريين وأبناء البادية، عبر توفير التعليم المجاني لأكثر من 14 ألف طالب موزعين على 33 مدرسة منتشرة في مناطق المملكة كافة، وتوفير السكن الداخلي ووجبات الطعام المجانية في جميع المدارس المقامة في المناطق النائية ومناطق البادية. وتقديم خدمات تعليمية لأبناء المجتمع الأردني في مجال محو الأمية ودورات الحاسوب واللغة الإنجليزية.
كما توفر التعليم الجامعي لأبناء العاملين في القوات المسلحة، الأمن العام، المخابرات العامة والدفاع المدني وأبناء المتقاعدين العسكريين وأبناء الشهداء، من خلال تطبيق نظام المكرمة الملكية السامية الذي نص على تخصيص 20 % من المقاعد في الجامعات والمعاهد الحكومية وبلغ عدد المستفيدين منها منذ انطلاقها العام 1980 (145290) طالبا وطالبة منهم 105301 في الجامعات و 39989 في كليات المجتمع، كما تقوم المديرية بالإشراف على تنفيذ المكرمة الملكية لأبناء العشائر والمدارس الأقل حظاً، والإشراف على تدريس مادة العلوم العسكرية في الجامعات الأردنية الرسمية والخاصة من خلال دائرة التعليم الجامعي التابعة لمديرية التعليم والثقافة العسكرية.
وتساهم القوات المسلحة في توفير التدريب الفني والمهني لقطاعات واسعة من المجتمع الأردني بفضل توفر المعاهد والكليات والمدارس الفنية في القوات المسلحة وفي مختلف التخصصات.
وتقوم بدور بارز في حماية البيئة من خلال إدراكها بأن الأمن البيئي جزء من الأمن الوطني، حيث تقوم بزراعة الأشجار الحرجية والمثمرة في جميع مناطق وجود الوحدات العسكرية للمحافظة على الغطاء النباتي ووضع تعليمات خاصة لحماية البيئة وتطبيقها بشكل حازم والتعاون التام مع جميع المؤسسات الحكومية والخاصة المهتمة بالبيئة والتركيز على استخدام الطاقة المتجددة ودعم جميع مشروعاتها.
وساهمت القوات المسلحة في مشروعات تطويرية عديدة كفتح الطرق والجسور والمطارات والسدود ومشروعات المياه والكهرباء، وتعمل القوات المسلحة من خلال مديرية مؤسسة الإسكان والأشغال العسكرية في تخطيط وتنفيذ العديد من المشروعات السكنية والإنشائية العسكرية والحكومية.
وتقوم بالتعاون مع كل من وزارة الزراعة ووزارة المياه في تنفيذ العديد من المشروعات الزراعية الوطنية. وتقوم ايضا بدعم القطاع الصناعي من خلال تقديم خدمات فنية مثل تصليح وصيانة وتحديث وتجديد قطع الغيار لمعدات المصانع من خلال المشاغل الفنية لمديرية سلاح الصيانة الملكي وبكلفة مالية قليلة وغيرها من خدمات.
تساهم القوات المسلحة في تشجيع السياحة الداخلية والخارجية عن طريق توفير الأمن والاستقرار داخل البلاد مما يخلق مناخاً ملائماً لنمو وتطوير السياحة ويظهر هذا الدور من خلال حماية المواقع السياحية من العبث ومكافحة عمليات تهريب التحف الأثرية، كما تساهم بالترويج للأردن سياحياً واقتصادياً من خلال المشاركة بالدورات والبعثات والوفود والمشاركة بالمعارض الدولية ومشاركة مؤسسة تشجيع الاستثمار ضمن جناح مركز الملك عبدالله بالمعارض العسكرية الدولية كما تساهم في تعريف الأردن سياحياً من خلال استضافة الوفود الأجنبية والعربية الزائرة للقوات المسلحة. وتدعم القوات المسلحة الجامعات والمعاهد والمؤسسات الحكومية والأهلية، بالعديد من القاعات الهاشمية وإقامة المعارض العسكرية في الاحتفالات الوطنية للمملكة ،وتوفير الخرائط السياحية من خلال المركز الجغرافي الملكي.
وحققت القوات المسلحة قفزة نوعية في مجال الاستثمار سعياً وراء الوصول إلى درجة مناسبة من الاكتفاء الذاتي وتخفيف العبء المادي عن موازنة الدولة.-(إعداد مديرية التوجيه المعنوي – بترا)