عروبة الإخباري – قدّم القاص محمد مشه قبل أيام في رابطة الكتاب الأردنيين فرع الزرقاء شهادة إبداعية اقتربت في معظم مفاصلها من البوح والكشف والبساطة البعيدة عن التكلف أو الادعاء.
الأمسية التي قدّم مشه فيها وأدارها الكاتب محمود عليمات وتابعها حضور معقول، تضمنت إلى ذلك قراءة مداخلة نقدية أعدها القاص الزميل محمد جميل خضر حول مجمل تجربة مشه القصصية، وقرأها عنه لتعذر مشاركته في الأمسية الكاتب حسن منصور.
كما تضمنت قراءة مشه لعدد من نصوصه وقصصه القصيرة جداً:
«شهيد»، «المرآة»، «طفلة»، «الخادمة»، «أشياء ليست للنشر»، «ظلاّن»، «الامتحان»، «وردة» وغيرها من القصص والنصوص.
في شهادته، يذهب مشه بعد 30 عاماً من الكتابة التي بدأها نشراً في العام 1984 من خلال مجموعته الأولى «حبك قدري»، إلى أن الفقر وضيق ذات اليد لا تمنع مبدعاً من مواصلة درب إبداعه، والتمسك بخياره النهائي بالانحياز للمعرفة والقراءة والاطلاع على آداب الأمم والشعوب، والعمل الدؤوب والإصرار العنيد وصولاً لالتقاطه أولى بوادر ملكته الإبداعية. يقول مشه في شهادته:
«ليس المهم سنة ميلادي بقدر أني ولدت في مخيم النويعمة القريب من مدينة أريحا لعائلة هجّرت مع العائلات الفلسطينية التي هاجرت قراها ومدنها الفلسطينية عام 1948. فعانت عائلتي اليافوية ما عانه غيرها من الحرمان والفقر والجوع. ولا زلت أذكر شجرة الكينا التي قامت بيني وبينها صداقة حقيقية في حوش الدار تشاركها صداقتي شجرة الياسمين ونبتة المحكمة التي كانت تتفتح أكمامها في الثامنة من صباح كل يوم».
القاص محمد جميل خضر استعرض في مداخلته النقدية التي حملت عنوان «محمد مشه يتصبب قصصاً»، الملامح الرئيسية في تجربة مشه القصصية، وعاين ابتعاد مشه عن المحسنات، وعدم التفاته للحامل بقدر تركيزه على المحمول:
«يحاول مشه منذ مجموعة «حبك قدري» الصادرة عام 1983، مروراً بـالولد الذي غاب» 1995، وقبلها «همسة في زمن الضجيج» 1988، وبعدهما «مولاي السلطان قطز» 2003 و»بائعة الكبريت» 2007، أن يخلق توازنه الممكن مع المعنى».
خضر يواصل مداخلته النقدية بالقول: «محمد مشه لا يكتب كي يبهرنا، بل هو يريدنا أن نتصبب معه داخل فضاءات أفقِ توقّعٍ وتواصلٍ وتَلَقٍّ ممكن، تماماً كما يتصبب هو قصصاً وكتابة واحتراقاً. كما لو أنه يود أن يقول لنا إنّ الكتابة هنا ليست وسيلة تسلية، وأنا لا أتقن فن الإمتاع فيها، ولست بارعاً في تهويمات التشويق، ولكنني لا أملك إلا أن أكتب وأظل أكتب دون توقف، ودون تراجع، فالتوقف في حالتي انتحار، والتراجع إقرار بهزيمة لن أقر بها».