عروبة الإخباري – عندما نشب نزاع على حل البرلمان الليبي في فبراير شباط الماضي ظهر ضابط سابق برتبة لواء يرتدي الزي العسكري بالكامل على شاشات التلفزيون فجأة ليطالب القوات المسلحة بإنقاذ البلاد.
ووقف اللواء خليفة حفتر بين علم ليبيا وخريطة كبيرة مطالبا بأن تتولى حكومة انتقالية الأمور من برلمان أصيب بالشلل بسبب المنافسات بين فصائل مختلفة بعد حرب عام 2011 التي أنهت حكم معمر القذافي.
وعلى الفور انتشرت شائعات عن تحركات لقوات لتغذي المخاوف من وقوع انقلاب عسكري. لكن لم تنتشر دبابات في الشوارع وأبدى كثيرون رفضهم للواء حفتر باعتباره انقلابيا يسعى لقلب نظام الحكم.
ويعرف الليبيون حفتر الضابط السابق صاحب الشعر الرمادي الذي تمرد على القذافي في الثمانينات. والآن عاد يتصدر المشهد بعد أن اقتحمت جماعات من ميليشيات تقول إنها موالية له البرلمان في طرابلس يوم الأحد وهاجمت مدينة بنغازي لإخراج المتشددين الاسلاميين منها.
وقد أيدت اثنتان من الوحدات العسكرية النظامية الجيش الوطني الليبي الذي أعلنه حفتر ما جعله طرفا آخر في مواجهة تلوح في الأفق بين ألوية متنافسة من الثوار السابقين المعادين للقذافي الذين أصبحوا أصحاب السلطة الحقيقية في ليبيا.
وفي وقت مازال فيه الجيش الليبي الجديد في مرحلة التدريب أصبحت مجموعتان سابقتان من المقاتلين في مواجهة إحداهما الأخرى وخلفهما قوى سياسية اسلامية وأخرى مناوئة للتيار الاسلامي في توازن غير مستقر للقوى لم يستطع أي من الطرفين أن تكون له الغلبة فيه.
وربما يشير تحرك حفتر والعنف الذي شهدته طرابلس وبنغازي إلى محاولة لتكوين جبهة أعرض مناوئة للاسلاميين وهو ما ينذر بمعركة أوسع نطاقا في ليبيا التي ما زالت تكافح لتشكيل ديمقراطيتها الهشة.
وقالت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الامريكية جين ساكي يوم الثلاثاء إن الولايات المتحدة لم تجر اتصالا مع حفتر في الآونة الاخيرة و”لا تقبل الأفعال على الارض (في ليبيا) أو تؤيدها ولم تساعد في تلك الأفعال”.
وقال دبلوماسي غربي “من الناحية السياسية نحن في مأزق حتى تتضح الأمور. فالوضع الأمني هش للغاية في بنغازي وطرابلس على السواء. أشك في مدى التنسيق بين حفتر والآخرين لكن لهم مصالح مشتركة. ربما يكون زواج مصلحة.”
على أحد الجانبين يقف الزنتانيون في الجبال الغربية وحلفاؤهم في لواء القعقاع ولواء الصواعق في طرابلس وهم يعارضون الاسلاميين بشدة ويؤيدون تحالف القوى الوطنية الذي يضم أحزابا وطنية يتزعمها مسؤول سابق من عهد القذافي.
وفي المقابل تقف ألوية مصراتة التي تتخذ من المدينة التي تحمل اسمها مقرا ولها ميول اسلامية وتؤيد الجناح السياسي لجماعة الاخوان المسلمين مع ألوية اسلامية أخرى وحلفائها.
وبدا جليا يوم الأحد امكانية نشوب مواجهة أوسع عندما هاجم مسلحون مزودون بمدافع مضادة للطائرات البرلمان ما أدى إلى اشتباكات في مختلف أنحاء طرابلس بين القوات النظامية وميليشيات المجموعتين المؤيدة للاسلاميين والمناهضة لهم.
ولم يتضح ما إذا كانت قوات تابعة لحفتر شاركت حتى في اشتباكات طرابلس رغم أن أحد حلفائه وهو العميد صقر الجروشي أعلن أن قوات حفتر تعمل مع لواءي القعقاع والصواعق.
ولم تؤكد أي من المجموعتين أي دور. لكن مسؤولين ودبلوماسيين قالوا إن العنف الذي شهدته طرابلس ربما كان محاولة من لواء القعقاع لإفشال رئيس الوزراء أحمد معيتيق الذي أيدته جماعة الاخوان واعتبره منتقدوه مؤيدا للاسلاميين.
وكان رئيس الوزراء قد قدم أسماء أعضاء الحكومة للبرلمان يوم الأحد عندما شن المسلحون هجومهم. وبعد الهجوم لم يتضح حتى ما إذا كان معيتيق سيتمكن من حمل النواب على الاجتماع في جلسة للموافقة على تشكيل الحكومة.
وقال المجلس المحلي لطرابلس في بيان إن العاصمة لا يمكن أن تصبح ساحة معركة للنزاعات السياسية وحمل لواء القعقاع المسؤولية عن أعمال العنف.
ومنذ الحرب التي دعمها حلف شمال الأطلسي على القذافي كافحت القوى الغربية لمساعدة الحكومة الليبية الضعيفة على ترسيخ سلطتها وتعزيز مكانتها مع تزايد القلق الدولي إذ أن عدم الاستقرار في ليبيا ينذر بالانتشار في دول مجاورة.
وفي الاسبوع الماضي أرسلت الحكومة الجزائرية قوات خاصة إلى طرابلس لإجلاء السفير وأغلقت السفارة بعد ما قالت المصادر إنه تهديد من تنظيم القاعدة.
كما نقلت الولايات المتحدة مؤقتا نحو 250 من مشاة البحرية وعددا من الطائرات إلى صقلية من أسبانيا كإجراء احترازي بسبب المخاوف من الاضطرابات لتعزز قدرة واشنطن على إجلاء رعاياها في أي أزمة قد تنشأ.
وقال مسؤول دفاعي أمريكي مشترطا إخفاء هويته “من الواضح أننا نراقب الوضع عن كثب مع استمرار تدهور الاوضاع.”
ومما يعقد الوضع الأمني في ليبيا أن ألوف المقاتلين من أعضاء الميليشيات لهم وضع شبه رسمي إذ يتقاضون أجورا من الحكومة وتربطهم صلات بوزارتي الدفاع والداخلية في محاولة لكسب ولائهم للدولة.
ومن الصعب قياس مدى الدعم الذي يمكن للواء حفتر أن يكتسبه في القوات المسلحة الناشئة أو بين شبكة المقاتلين في بلد تتم فيه التحالفات على أسس قبلية واقليمية وسياسية.
لكن له باعا طويلا كقائد منشق إذ أنه كان حليفا سابقا للقذافي انضم إليه في انقلاب عام 1969 لكنه اختلف معه فيما بعد بسبب الحرب التي خاضتها ليبيا في تشاد في الثمانينات.
ويقول تقرير عن حفتر أعدته مؤسسة جيمس تاون فاونديشن إنه كان يحظى في الماضي بدعم من وكالة المخابرات المركزية الامريكية. وقد أمضى 20 عاما في الولايات المتحدة قبل عودته لقيادة مقاتلي المعارضة عام 2011.
وقال دبلوماسيون إن حفتر يقوم منذ بيانه في فبراير شباط بحملة وبخاصة في شرق ليبيا للتواصل مع القبائل والميليشيات سعيا لكسب التأييد.
وفي بنغازي على الأقل بدا أن القوات الجوية النظامية انضمت إلى قواته إذ هاجمت طائرات هليكوبتر قواعد للإسلاميين هناك. وتعهدت وحدة تابعة للقوات الجوية في طبرق يوم الإثنين بتأييده كما سانده قائد إحدى وحدات القوات الخاصة.
ونيله تأييدا في الشرق أقل إثارة للدهشة. فهجماته في بنغازي استهدفت في معظمها إسلاميين مثل مقاتلي جماعة أنصار الشريعة التي أشارت إليها أصابع الاتهام في هجوم على القنصلية الأمريكية في المدينة عام 2012 قتل فيه السفير كريستوفر ستيفنز وثلاثة أمريكيين آخرين. وتدرج الولايات المتحدة الجماعة في قائمة المنظمات الإرهابية.
ويشعر الكثير من سكان بنغازي وجنودها بخيبة الأمل لعدم تلقيهم الدعم اللازم لوقف الاغتيالات والتفجيرات بالمدينة التي يدير المتشددون نقاط التفتيش فيها علانية.
بل إن بعض مؤيدي حفتر يشبهونه بقائد الجيش المصري السابق عبد الفتاح السيسي الذي أزاح الإخوان المسلمين عن السلطة وهو الآن المرشح الأبرز في انتخابات الرئاسة المقررة الأسبوع المقبل.
وقال دبلوماسي “يضع حفتر على الأرجح نفسه في وضع الرجل القوي. كثير من الليبيين يرون أنهم يحتاجون ذلك… إنه يقول كل ما ينبغي أن يقال.”
أحد العوامل الرئيسية تتمثل في كسب دعم إبراهيم الجضران المعارض السابق المناهض للقذافي الذي يبسط سيطرته على مرافيء نفطية منذ الصيف الماضي في محاولة لإجبار طرابلس على منح حقوق فيدرالية أكبر لمنطقة برقة بشرق البلاد.
وكان الجضران قد اتفق مع رئيس الوزراء السابق على رفع تدريجي للحصار الذي يفرضه على أربعة موانيء رئيسية وأن يساعد على إعادة شحنات النفط الليبية إلى سابق عهدها. لكن الجضران رفض رئيس الوزراء الجديد وجمد اتفاقه وأيد حفتر.
قال ريكاردو فابياني من مجموعة أوراسيا “الأحداث الأخيرة ربما كانت حدا فاصلا. حفتر يحاول أن يجمع تحالفا فضفاضا من القوات يضم أبناء الزنتان والفيدراليين من أنصار الجضران لمواجهة قوة المعسكر الإسلامي.”
وأضاف “ربما يكون هناك لأول مرة تكتلان وليس التشرذم الذي شهدناه من قبل.”
لكن أي محاولة لتشكيل تحالف مناهض للتيار الإسلامي يتمتع بقوة ساحقة لن يواجه مقاومة سياسية وحسب بل وأيضا معارضة شرسة من مصراتة وألوية متحالفة ستتصدى لأي محاولة من جانب منافسيها في الزنتان لتحقيق مكاسب وبخاصة في طرابلس.
وفي أواخر العام الماضي خرجت معظم الميليشيات الرئيسية من قواعدها في العاصمة بعد اشتباكات قتل فيها العشرات. وربما تتمثل الخطوة التالية في محاولة إعادة التمركز في طرابلس.
ويشكل أبناء مصراتة الجانب الأساسي فيما يسمى بقوات درع ليبيا التي أنشأها رئيس البرلمان لتعزيز الأمن في طرابلس حيث يتهم كثير من السكان عناصر من بدو الزنتان بارتكاب جرائم وتنفيذ عمليات خطف.
وتحدث ألوية إسلامية أخرى صخبا بالفعل. وتقول غرفة عمليات ثوار ليبيا التي اتهمت بخطف رئيس الوزراء العام الماضي إن عناصر منافسة تحاول إعادة النظام الديكتاتوري إلى البلاد.
وتظل كتائب مصراتة بمعزل عن النزاعات حتى الآن.
ويظهر بيان نشر على صفحة رسمية للجيش على الإنترنت أن رئيس البرلمان نوري أبو سهمين الذي يتولى أيضا منصب القائد الأعلى للقوات المسلحة طلب من قوات درع ليبيا في مصراتة الانتقال إلى طرابلس لحماية المؤسسات الحكومية.
وقال دبلوماسي آخر في طرابلس “علينا الآن أن نرى كيف سيكون رد فعل أبناء مصراتة… ظللنا ننتظر ثلاث سنوات حتى يتبلور هذا.”