ليس هناك أشد ضرراً على الإسلام ممن يحمله بجهل وتخلف مزرٍ، وأكثر منه ضرراً من مزج الجهل والتخلف بالعنف والتطرف، ليكون صورة بشعة للدين العظيم، ويقدم نموذجاً منفراً في غاية القتامة، ويكاد يغطي على كل جهود الدعاة والمفكرين المسلمين، وجمعيات البر والإحسان وهيئات الإغاثة التي تجوب الكرة الأرضية من أجل مواساة المنكوبين وإيواء المشردين والمسح على جراح المعذبين، ومع ذلك لا يكاد يذكرهم الإعلام، ولا يكاد يعلم بجهدهم أحد.
«بوكو حرام» منظمة نيجيرية تأسست عام (2002) تشتق اسمها من شعار : التعليم الغربي حرام، وشكلت عصابة تنتسب إلى الإسلام وتريد أن تفرض أفكارها على نيجيريا عن طريق استخدام العنف، وتحاول بتخويف الناس بوساطة تنظيم الشباب الهاربين من صفوف الدراسة الذين يسطون على البنوك من أجل تمويل أعمالهم الإجرامية، وقد أقدموا مؤخراً على اختطاف مجموعة من الفتيات، وأشعلوا الرأي العام العالمي.
ليس عندي شكوك بأن هذه الجماعات تقدم أجمل الهدايا إلى خصوم الإسلام، وتشكل مادة دسمة لتشويه الفكر الإسلامي عبر التركيز الإعلامي، وعبر توجيه الكتّاب وأهل الإعلام، ومخرجي الأفلام، لترسيخ صورة نمطية بشعة في أذهان الناس والأجيال التي تختصر صورة الإسلام بهذا النمط من الأعمال الإجرامية التي ترفع شعار تطبيق الشريعة الإسلامية.
كل نماذج العنف والتطرف، وكل أشكال الخطاب السطحي الساذج المليء بالكراهية والتعصب، يعبر عن حالة التردي الفكري وحالة الغياب للمفكرين وأصحاب الأثر الفاعل في نقل الحالة الإسلامية الحركية والأجيال الجديدة إلى آفاق المعرفة ورحاب الفكر المستنير، وإلى ساحات التنافس في تطوير الذات، وامتلاك أدوات القوة الحقيقية التي تتمثل بالعمل الفكري والاتساع المعرفي والأصالة الثقافية، القادرة على تحقيق موطىء قدم في ساحات النضال الحضاري، وامتلاك سهم وافر في نهر الإنجازات الإنسانية العظيمة، البعيدة عن النزق العاطفي ومسالك العنف، الذي يمثل ساحة للاختلاف والتوجيه الفعلي عن طريق توفير المال والسلاح.
مهمة بناء الذات على صعيد الأمة الإسلامية، هي المهمة الأولى وأهم الأولويات التي ينبغي أن تبذل فيها الجهود الكبرى، لأن مهمة بناء الذات هي الأشد صعوبة والأكثر كلفة، والأبعد عن الأضواء والنجومية، مما يجعلها جهوداً غير منظورة ولا تحظى بالإقبال والرعاية.
وينبغي إدراك الحقيقة المرة، أنه عندما نفشل في بناء الذات، لن نستطيع خوض المعركة الخارجية مع الخصوم والأعداء، والأشد مرارة أن هذه المعركة تمثل إحدى مصائد المغفلين التي تستهوي الناقمين، والذين تنخفض لديهم السوية الفكرية، الذين يقعون فريسة سهلة لتجار الإعلام، ومقاولي الشعارات والأصوات العالية.
«بوكو حرام» نموذج من نماذج كثيرة وعديدة أخذت تنتشر في ربوع العالم الإسلامي، وآخذة بالازدياد، مما يحتم على المجتمعات العربية والإسلامية، أن تلتفت لهذه الظاهرة الخطرة التي تستحق المواجهة بطريقة مدروسة ومنظمة عبر استراتيجية شاملة تحملها الجامعات والمدارس والمراكز والجماعات والهيئات والأحزاب، ورجال الفكر والإعلام وأصحاب الفن والثقافة، وعدم الاقتصار على الإستراتيجيات الأمنية والوسائل العنيفة.