مرّ النداء الذي أطلقه رئيس شركة الأردن للصخر الزيتي، الأستوني أندريس انجاليج، من دون أي رد فعل رسمي. وحتى اليوم، لم تحسم الحكومة الأمر، وتلعب بالوقت الذي يهدد الاستثمار.
بدأت القصة منذ نحو ثماني سنوات. إذ جاءت الحكومة الأستونية للأردن في العام 2006، وكانت الفكرة في حينه استخراج النفط من الصخر الزيتي. لكن بعد عامين من بدء العمل، وتحديدا في العام 2008، طلبت الحكومة من الأستونيين، ونَسخاً لتجربة بلادهم، إنشاء محطات لإنتاج الكهرباء بالحرق المباشر للصخر الزيتي.
اتفق الطرفان على إنشاء محطة واحدة، بقدرة تصل إلى 540 ميغا واط سنويا، وبما يشكل نسبة 22 % من الاستهلاك الحالي. وبدأ الأستونيون الذين رصدوا مبلغ ملياري دولار للاستثمار لن تدفع منها الحكومة فلسا واحدا، بالعمل وإجراء المسوحات اللازمة. واستغرق إجراء الدراسات الجيولوجية مدة خمس سنوات.
بعد ذلك، وخلال عامين ونصف العام تقريبا، اتفق الجانبان على مختلف التفاصيل فيما يتعلق بالمحطة، وحُدّدت خطة العمل بينهما، باستثناء تعرفة الشراء التي ظلت معلقة لحين تحديد كلف بناء المحطة والتعدين، إضافة إلى كلف التمويل.
منذ خمسة أشهر، وبالتحديد في نصف الشهر الأخير من العام الماضي، قدمت الشركة السعر. لكن الموضوع طال، والخلاف الحاصل يكاد يودي بالاستثمار الضخم ويدفعه للمغادرة. إذ تعرض الشركة مبلغ 8 قروش لكل كيلوواط، فيما تطالبها الحكومة بتخفيض العرض مضافا إليه رسوم تعدين، في وقت تصر الشركة أن التسعير تم بطريقة شفافة، تبعا للكلف القائمة.
الحكومة تماطل وتفاوض، وذلك حقها للحصول على أفضل سعر ممكن. لكن لماذا، وهي قبلت بسعر 12 قرشاً لكل كيلوواط من الطاقة الشمسية، فيما كانت تسعى لسعر 10 قروش؟! وبالتالي، فإن السعر المقدم من الأستونيين ليس مرتفعا مقارنة بالمصادر الأخرى، بل وأقل بنسبة كبيرة.
ولا أحد ينكر حق الحكومة في سعر أفضل، يقلل عليها الكلف. لكن ثمة منجزات لا تقدر بثمن، وشريطة أن لا يكون “العناد” سببا في هروب المستثمر، الذي لا يعتقد أن يعود مجددا في حال غادر، كون المماطلة تفقده مصدر التمويل الوحيد الذي حصل عليه وبصعوبة، نتيجة حداثة الفكرة ومخاطرها، إذ هي غير موجودة في أي بلد باستثناء أستونيا. مع العلم أن الحكومة هناك موّلت المحطات من أموالها الخاصة.
الشركة لا تنكر أن في السعر المقدم ربحا، وذلك حق طبيعي للمستثمر. ومن قال يوما إن الاستثمار لا يعمل وفق مبدأ الربح والخسارة!
أهمية الاستثمار في الصخر الزيتي استراتيجية. وحدود الفائدة لا تتوقف عند تخفيض طفيف على السعر، كما أن النفع المتحقق ليس توفير احتياجات البلد من الطاقة فحسب، بل التأسيس لفكرة توفير مصادر محلية للطاقة، وتقديم الأردن كأنموذج في هذا المجال؛ رغم أن في ذلك مخاطرة أخَذَها الجانب الأستوني على عاتقه، ويجب أن تقدّر، حين بادر إلى عرض الفكرة للتطبيق في الأردن، ونقل تجربة أستونيا المميزة في هذا المجال.
كما أن هذا النوع من الاستثمار يبني مدماكا مهما في تكريس مبدأ أمن الطاقة الذي يفتقده الأردن، ويدفع ثمنه 5 ملايين دولار كل طالع شمس. فتنويع مصادر الطاقة هو القاعدة، والاستثناء “تطفيش” المستثمرين.
كأن لعنة تصيب قطاع الطاقة في الأردن وتحول دون تطوره! فما إن نمسك بالأمل وبإمكانية البدء بالاعتماد على مصادرنا وثرواتنا، حتى تخرج المعيقات المقنعة وغير المقنعة، لتحول دون ذلك. يبدو أنها لعنة قطاع الطاقة، أو كسل الحكومات وأحيانا تعنتها، أم ماذا يعني أن استراتيجية الطاقة مجمدة منذ العام 2008؟!