مع اقتراب موعد «الانتخابات الرئاسية» في سورية، او بالأحرى في نصفها، تعاود ايران وإسرائيل عرض مسرحيتهما القديمة المملة عن «العداء المستحكم» بينهما، بهدف تبييض صفحة مرشحهما المفضل والوحيد بشار الأسد، وصفحة حلفائه، فتنهمر التصريحات والمواقف الجاهزة التي تكشف رغبة كل منهما في الاقتراع لمصلحة حاكم دمشق، لأنه الأضمن والأكثر صدقية في الاستجابة لمتطلبات «استقرار الأمن الإقليمي»، العبارة التي باتت تعني أمن الدولة العبرية تحديداً.
وهكذا تصبح ايران، حليفة الأسد وراعيته وحاميته، واقفة على ابواب اسرائيل تهددها، على حد تعبير مستشار المرشد خامنئي القائد السابق لـ «الحرس الثوري» الجنرال يحيى صفوي الذي اكد ان حدود بلاده تصل الى ساحل لبنان الجنوبي، عبر «الهلال الشيعي» إياه الذي يمر في العراق وسورية.
وبكلام آخر، يقول صفوي ان الانتشار الإيراني في سورية ودفاع طهران المستميت عن نظام الأسد، وقتالها الى جانبه، وتحريك بيادقها اللبنانية والعراقية للقيام بالمثل، وإغاثته مالياً وتسليحياً، يكتسب شرعيته من كونه يصب في خدمة الصراع مع «العدو الصهيوني» الذي يقف الإيرانيون على اعتابه، بل يكادون يدخلونه «مظفرين».
وفي الإطار نفسه، اعتبر وزير الخارجية الإيراني جواد ظريف ان سياسة بلاده الخارجية «سلبت الراحة» من رئيس وزراء اسرائيل بنيامين نتانياهو «ودفعته الى التخبط ومواجهة العزلة الدولية».
لذا يصبح مستغرباً في المنظور الإيراني كيف يطالب العرب بانسحاب ايران من سورية ووقف تورطها في المجزرة الحاصلة هناك، فيما هدف طهران الأبعد «محاصرة» اسرائيل وإقلاقها وقضّ مضاجع مسؤوليها؟
وفي موازاة استعراض العضلات الوهمي هذا، يعزف الإسرائيليون النوتة الإيرانية ذاتها، فيعلن رئيس اركان الجيش بني غانتس، في تزامن مريب، ان «حزب الله» بات يغطي مساحة اسرائيل كلها بالصواريخ». اذاً، لا ضير في ارسال الحزب رجاله للقتال في سورية طالما ان حربه هناك «لم تلهه» عن معركته الرئيسية مع «العدو».
ولا تكتفي اسرائيل بالتشديد على خطورة صواريخ الحزب، بل تؤكد على لسان ضباط جيشها انها «غير مستعدة كما يجب للحرب المقبلة التي قد تندلع في اي لحظة». فكيف يمكن بعد ذلك التشكيك في صحة ما يقدم عليه الحزب في جبال القلمون وريف دمشق وحمص وحلب، فيما هو يستعد لاجتياح اسرائيل؟
وهذا التناغم في مواقف ايران وإسرائيل يتم برعاية اميركية مباشرة، فواشنطن ايضاً تقترع للأسد، وتريد بقاءه، وتفضله على «الجماعات المتطرفة» التي تختصر بها نضال السوريين، وترى فيها تهديداً لأمنها ومصالحها، ولأنها ايضاً تفكر أولاً وأخيراً في أمن اسرائيل وترضخ لمتطلباته، ولا هم لها حالياً سوى المصالحة مع طهران وحسابات النفط والغاز والسوق الاستهلاكية الإيرانية.
وهكذا يتعاون الأطراف الثلاثة في «غسل» سيرة الأسد، على طريقة «غسل» اموال المافيات، لإظهار انه لا يزال يلعب دوره المطلوب في محور «الممانعة»، وإن ما يفعله بشعبه منذ ثلاث سنوات لا يقلل من اهميته في المنظومة المشاغبة على الأمن العربي، ذلك ان العنتريات الإيرانية المتواصلة، والتي لا تقنع حتى قائليها انفسهم، ليس لها من هدف سوى توجيه رسائل الى الداخل العربي بهدف خرقه وتشتيته. اما اسرائيل ففي اطمئنان شديد يدفعها الى التثاؤب.