يزور رئيس الائتلاف الوطني السوري احمد الجربا واشنطن هذا الاسبوع، ويقول انه سيبحث مع المسؤولين الاميركيين في “تزويد تشكيلات الجيش الحر بسلاح نوعي يسمح بتغيير موازين القوى على الارض”. لكن هذا يبدو مستبعدا جدا اذا لم يكن مستحيلا في ظل سياسة الولايات المتحدة الحالية، فالاميركيون، ومثلهم الاوروبيون، لم يعودوا يرون في المسألة السورية سوى قضية ارهاب وارهابيين، وليس قضية حكم مستبد يواجه شعبه بالقتل والتدمير والتهجير، بما يشكل خرقا لكل القوانين والاعراف الدولية ويستحق رداً دولياً ما على غرار ما حصل في حالات سابقة اقل فداحة.
وفي افضل الحالات، ما سيسمعه الجربا في واشنطن سيكون استعادة للنصائح الاميركية المتكررة عن ضرورة توحيد صفوف المعارضة وضرورة مواجهة المتطرفين فيها وعزلهم حتى لو ادى ذلك الى تصعيد الاقتتال في المناطق المحررة، وعن اهمية الوصول الى حل سياسي لا احد يعرف من اين سيأتي، ووعود بزيادة المساعدات الانسانية والعسكرية غير الفتاكة مثل اجهزة الاتصال وسواها. وسيحاول المسؤولون الذين سيلتقيهم الجربا تبرير رفض واشنطن القاطع ارسال الامم المتحدة مساعدات انسانية من دون موافقة دمشق، ما يعوق حتى الآن تنفيذ قرار لمجلس الامن بهذا الخصوص.
لكن مدير مكتب التحقيقات الفيديرالي الاميركي جيمس كومي كان اكثر وضوحا في التعبير عن الرؤية الاميركية للوضع السوري عندما شبهه بما جرى في افغانستان في ثمانينات وتسعينات القرن الماضي عندما شكل المتطرفون الاسلاميون تنظيم “القاعدة” قبل ان يشنوا اعتداءات 11 ايلول (سبتمبر) على الولايات المتحدة، وقال “نلاحظ النمط نفسه في سورية لكن بدرجة أسوأ بكثير”، واكد ان “هذا موضوع نركز عليه مع الاوروبيين وجميعنا قلقون”.
ماذا يعني هذا الكلام عمليا؟ يعني انه بالنسبة الى الاميركيين صارت المعارضة السورية المعتدلة مغلوبة على امرها ولا تستطيع اضعاف المتشددين او استيعابهم، وبات نظام الاسد افضل بما لا يقاس من اي بديل له قد يأتي بنظام “طالباني” يحول سورية الى بؤرة عداء للولايات المتحدة تشن اعتداءات عليها. اي ان واشنطن ستسعى الى اقناع الجربا بأنها لا تملك خيارا آخر سوى التعايش مع بشار الاسد حتى لو كان لا يحكم سوى 40 في المائة من الجغرافيا واقل من نصف عدد السكان.
لكن الكلام الاخطر الذي سيسمعه رئيس الائتلاف هو ابلاغه بالقرار الذي سيتخذ في مستقبل قريب، بتنسيق اميركي مع دول الجوار السوري، ومن ضمنها اسرائيل، بأن الجيش الاميركي سيبدأ في ارسال طائرات بدون طيار، على غرار ما يفعل في اليمن، لتوجيه ضربات الى التنظيمات المتطرفة في المناطق السورية، وبينها “النصرة” و “داعش”، واغتيال قادتها، في اطار “حرب وقائية” تشن بالتكامل مع الاوروبيين الذي سيسهمون في الجانب الاستخباراتي.
وفي الاطار نفسه، يعقد خبراء الاتحاد الاوروبي في مكافحة الارهاب مؤتمرا الخميس المقبل في بروكسيل، بمشاركة الولايات المتحدة والمغرب والاردن وتونس وتركيا التي تشكل نقاط عبور للمتطرفين الى سورية، لمناقشة قضية “الجهاديين” الغربيين الذين يشاركون في القتال هناك، والذين يقدر عددهم ببضعة آلاف، يتوقع ان يعود اكثر من نصفهم الى دولهم حيث يخشى ان يشكلوا خطرا على الامن في اوروبا، ويكونون اقرب الى “الاهداف” الاميركية.
لن تحصل المعارضة السورية اذا على سلاح نوعي، ولن تتغير موازين القوى على الارض، على الاقل ليس بقرار اميركي، فهموم واشنطن في واد آخر، ولم يعد بين اولوياتها اسقاط نظام الاسد، بل ابقاء الوضع السوري في “مرحلة استنزاف”، على حد تعبيرها، الى حين زوال التهديد الذي يشكله تنظيم “القاعدة” وامثاله، وبعدها لكل حادث حديث.