إسرائيل الدولة الوحيدة في العالم التي تعتقد انها تستطيع شن هجمات على الدول المجاورة لها وان تنكر ذلك. كما تعتقد ان في امكانها استغلال الفوضى وعدم الاستقرار السائدين في المنطقة كي تفعل ما يحلو لها. وضمن هذا النوع من التفكير الإسرائيلي تدخل الغارة التي شنها سلاح الجو الإسرائيلي على قواعد تابعة لـ”حزب الله” داخل الأراضي اللبنانية.
تعتبر سياسة الانكار التي طبقتها إسرائيل في هجومها الاخير على “حزب الله” في لبنان استمراراً للخط الذي انتهجته منذ 2007 في عدد من العمليات التي قامت بها “وراء خطوط العدو”، مثل الاغتيالات التي طاولت شخصيات مهمة كالعميد محمد سليمان في طرطوس، وعماد مغنية في دمشق، وقصف المنشأة النووية السورية التي كانت قيد الانشاء في منطقة دير الزور عام 2007. وكذلك الاغتيالات في السنتين الاخيرتين لعدد من علماء الذرة الإيرانيين. يومذاك برر المحللون الإسرائيليون سياسة الانكار بانها تخدم هدفين: استيعاب ردة الفعل العنيفة للطرف الآخر، وعدم احراج الخصم.
وضمن هذا التوجه شهد العام الماضي ست غارات شنها سلاح الجو الإسرائيلي داخل الأراضي السورية قيل انها استهدفت مخازن للسلاح المتطور او شحنات سلاح مهربة الى “حزب الله”. وحتى الغارة الاخيرة ثبتت نجاعة سياسة الانكار التي اعتمدتها إسرائيل، فقد أتاحت لها تفادي التصعيد العسكري الواسع النطاق والنجاة من المحاسبة والقصاص. فهل خرجت إسرائيل في الغارة الاخيرة عن”القواعد الضمنية” للعبة وأرادت استفزاز”حزب الله” من خلال مهاجمة قواعده في لبنان؟ والى اي مدى ترغب فعلاً في استدراج الحزب الى مواجهة واسعة النطاق؟ وهل الغرض من العملية خدمة طرف على حساب طرف آخر في الصراع الدموي الدائر في سوريا؟ وأي انعكاس سيكون لما حصل على الجدل الداخلي اللبناني في شأن سلاح الحزب الدائر ضمن اطار البيان الوزاري؟
وعلى رغم تشديد الاعلام الإسرائيلي على ان الغارة الاخيرة جاءت نتيجة لمعلومات استخبارية دقيقة عن عمليات تهريب للسلاح المتطور الى الحزب، وانها تدخل ضمن الجهوزية الكبيرة للجيش الإسرائيلي لتطبيق سياسة الخطوط الحمر ومنع تهريب السلاح “الكاسر للتوازن” من سوريا الى “حزب الله”، فان من الصعب عدم ربطها بنوع من استراتيجية جديدة فاعلة بدأت إسرائيل تطبيقها حيال ما يجري في سوريا سواء على حدودها في الجولان، وكذلك بالنسبة الى حدودها الشمالية مع لبنان. وضمن هذا التوجه يمكن اعتبار الهجوم بمثابة استفزاز واضح للحزب واختبار لقدرته على ضبط النفس، وامتحان جهوزيته للقتال على جبهة ثانية.