على رغم التهديدات الإسرائيلية للبنان بين الحين والآخر، فإن الراهن اليوم ان إقدام إسرائيل على تنفيذ تهديداتها والمبادرة الى شن هجوم على “حزب الله” داخل الاراضي اللبنانية أمر مستبعد في المرحلة الراهنة على الاقل لأسباب أساسية مختلفة.
في طليعة هذه الاسباب التغييرات المتسارعة التي تشهدها المنطقة منذ تفجّر “الربيع العربي” والتي أدت الى تغيير صورة الشرق الاوسط كما عرفته إسرائيل منذ قيامها قبل 66 عاماً. صحيح ان قوة الجيوش العربية النظامية التي كانت تشكل الخطر الاكبر على إسرائيل قد تراجعت، وان الهدوء الذي يسود الحدود بين إسرائيل ودول مثل مصر وسوريا لم يتغير، وان معاهدة السلام مع مصر لم تسقط نتيجة تغير النظام هناك، ولكن في المقابل برزت أخطار جديدة لا تقل أهمية عن ذلك في نظر إسرائيل على أمنها، وتقتضي اعادة تفكير في استراتيجية إسرائيلية جديدة لما يجري في الدول المجاورة. وفي هذا الاطار تشكل المؤتمرات والنقاشات التي تجري في مراكز الابحاث الاستراتيجية في إسرائيل مرآة تعكس هذه النقاشات وتقدم صورة عن الحلول المقترحة لها.
يظهر بوضوح من هذه النقاشات ان استمرار عدم الاستقرار في الدول المحيطة بإسرائيل وخصوصا في سوريا ولبنان من شأنه في نهاية المطاف ان يهدد أمن إسرائيل. وان على إسرائيل ألا تقف موقف المتفرج مما يجري من حولها بل أن تغتنم الفرصة من أجل بلورة مبادرات سياسية تحصن أمنها، سواء على صعيد التسوية السلمية مع الفلسطينيين او الاتفاق مع إيران. كما عليها ألا تراهن على طرف من دون آخر في النزاع الأهلي الدائر من حولها، ولا سيما في سوريا، وعدم التورط في الحروب الاهلية، او في مواجهات عسكرية غير ضرورية.
ضمن هذا المنظور يبدو للمرة الاولى ان الحفاظ على الاستقرار في لبنان لم يعد حاجة لبنانية ملحّة، بل ضرورة اقليمية وإسرائيلية تحديداً. فعلى رغم الخطوط الحمر التي وضعتها إسرائيل منذ بداية الأحداث في سوريا ضد تهريب السلاح المتطور من هناك الى “حزب الله” في لبنان وتهديدات كبار المسؤولين بالتصدي لها بالقوة، فإن كل الهجمات التي شنتها إسرائيل خلال العامين الماضيين على مخازن السلاح جرت داخل الاراضي السورية وليس في لبنان ومن دون ان تتحمل مسؤوليتها مباشرة. كما تلاحظ سياسة ضبط النفس الإسرائيلية في مواجهة الحوادث المتفرقة التي حصلت على الحدود مع لبنان. ففي ظل دوامة العنف التي تجتاح دولا مجاورة مثل سوريا ومصر، بات استمرار الاستقرار في لبنان والأردن مصلحة إسرائيلية.