انقضى العام 2013 وقد طغى الجانب السياسي على معظم الأحداث، وخاصة تلك التي اجتاحت المنطقة العربية بقوة، حتى انتهى العام ودرجة المخاطرة في المنطقة هي أعلى من أي فترة أخرى.
وبالنسبة لنا فإن المسألة الاقتصادية لم تأخذ حقها من الاهتمام، و كان معدل نمو الاقتصاد اقل من(3%) و تجاوزت المديونية (19) مليار دينار، و ظلت البطالة تراوح حول الرقم (13%) و الأهم من كل ذلك تزايدت متطلبات المعيشة مشقة و إرهاقا للمواطن .وإذا لم يكن العام 2013 عام الاقتصاد، بل كان التركيز فيه على الموازنة و زيادة الإيرادات، وهي الحلقة المفرغة التي لا تنكسر إلا بزيادة معدلات النمو الاقتصادي إلى (8%)أو أكثر، فإن العام 2014 ينبغي أن يكون مختلفاً . و دون الحديث عن برنامج اقتصادي شامل من المفترض أن يكون هو الأساس لعمل الحكومة، فهناك العديد من المسائل الاقتصادية الرئيسة التي يمكن إذا تمت معالجتها بحكمة أن تطلق حراكاً اقتصادياً عالي الوتيرة و قابلاً للبناء عليه أولا ً: الشركات المتعثرة . فلا يجوز أن تستمر الحال على ما هو عليه من حيث اقتصار العمل على” الدراسة، والنظر، والبحث، والتفكير” دون الوصول إلى إجراءات حاسمة وعملية على الأرض. فغالبية هذه الشركات صرفت عمالها وموظفيها، وبالتالي أسهمت في مشكلة البطالة التي تعاني منها البلاد منذ سنوات . وهذا يتطلب تدخل الحكومة ، بناء على توصيات ناجزة يضعها الخبراء، لتكون وسيطاً داعما بين هذه الشركات وبين البنوك التي يجب أن تساعدها على خروجها من تعثرها المالي مقابل التزامات إدارية و قانونية تقدمها الشركة تؤكد فيها الشفافية والحاكمية الجيدة. ثانياً: تجديد امتياز الشركات التي انتهى امتيازها وفي مقدمتها شركة مصفاة البترول التي انتهى امتيازها العام 2008 وشركة الكهرباء الأردنية التي انتهى امتيازها العام 2012. إذ إنّ استمرار الحكومة بتجديد العقد لسنة أو سنتين أو أشهر يفاقم من الأزمة، ويمنع الشركتين من الاستثمار في مشاريع جديدة، أو التوسع في المشاريع القائمة، الأمر الذي ترك انطباعاً خاطئاً لدى الكثيرين بأن هناك عجزا في هذه الشركات الوطنية العريقة، و سوء إدارة وعدم القدرة على تقديم منتجاتها بشكل جيد. وهذا يتطلب من الحكومة والبرلمان تجديد الامتياز لفترات كافية لا تقل عن (25) سنة و بشروط تعاقدية جديدة تسمح بالتعدد والتنوع، حتى يمكن للشركتين التحرك بالقوة والفاعلية المطلوبة. ثالثاً : تفعيل تنمية المحافظات . لقد آن الأوان أن تقتنع الدولة أن قضية تنمية المحافظات هي من أكثر القضايا الوطنية إلحاحا و أهمية، وان تدرك أنه دون التوسع في إنشاء مشاريع إنتاجية في المحافظات فإن أزمة البطالة والفقر سوف تتفاقم إلى حد الانفجار. وقد مر العام 2013 وانتهى، والأموال موجودة ولكن المشاريع الإنتاجية الواسعة النطاق للأسف غائبة . أما إنفاق الأموال على تحسين طريق هنا، وبناء مدرسة هناك، وتجديد جناح لمستشفى في مكان آخر، فلن يغير كل هذا من الحال شيئاً. وسوف تذهب الأموال دون إضافة اقتصادية حقيقية. والمطلوب في هذا الشأن إنشاء وزارة متخصصة لهذه الغاية أو تشكيل مجلس عالي المستوى هو “المجلس الوطني لتنمية المحافظات “ يتشكل من المحافظين وعدد من الخبراء والمفكرين والأكاديميين و منظمات المجتمع المدني والقطاع الخاص، يقترح على الحكومة السياسات والبرامج المطلوبة و يتابع تنفيذ المشاريع . و هذا يتطلب أن تمنح صلاحيات أوسع للمحافظين لكي يتمكنوا من اجتذاب المستثمرين إلى محافظاتهم، وفق ضوابط إدارية فيها المرونة وفيها الحزم في نفس الوقت . رابعاً : الاستثمار في الطاقة البديلة . إذ لازالت الإجراءات في تنفيذ مشاريع الطاقة الشمسية والصخر الزيتي وطاقة الرياح بطيئة وغير جاذبة بل وطاردة، خاصة وان الاستثمار في هذه المشاريع ليس حكومياً وإنما يقوم به القطاع الخاص. فهل يشهد العام 2014 تحولاً في هذا الاتجاه؟ لتنظر الحكومة ماذا تفعل الدول الأوروبية في هذا الموضوع وتستفيد من الخبرة والتجربة. أما الاستمرار على النهج الحالي فإنه سيزيد الأمور تعقيداً . خامساً : تصنيع الاقتصاد. إذ لا يمكن لأي اقتصاد أن يكتسب حراكا و قوة مستدامة قادرة على تغيير حالة الفقر والبطالة ، إلا إذا كان هناك برامج واسعة للتصنيع على طريق إنتاج السلع المتنوعة وتخفيف حجم الاستيراد. هذا الطريق هو الذي سلكته جميع الدول الناهضة دون استثناء . و هو السبيل الوحيد لحل أزمة الموازنة ووضع حد لتصاعد المديونية و فك حالة الاحتقان الاجتماعي. وسنة بعد سنة يتدفق المستثمرون على الأردن ولكن غالباً ما تضيع الفرص لأنهم لا يجدون مجالات جيدة إلا الأسهم والعقار وشراء الموجودات. وهذا يكاد لا يضيف شيئاً إلى الاقتصاد على المدى البعيد ولا يخلق فرص عمل.سادسا: إعادة إنشاء بنك الإنماء الصناعي.أو بنك التنمية الوطني . إذْ مضت بضع سنوات وبضع حكومات والأمر تحت الدراسة والتفكير. إلى متى؟ هل سنخترع العجلة من جديد؟ هل سنبدأ من الصفر؟ هل المشكلة في رأس المال؟ هل المشكلة في الملكية ؟ لا أحد يدري ولا يعقل أن يستمر الأمر على هذا المنوال.سابعا: الثروات الطبيعية .إذ لا خلاف على أن هناك جزءا جيدا من الثروات الطبيعية قابلة للاستغلال على ضوء تطور التكنولوجيات الخاصة بها، وعلى ضوء تغير الأسعار العالمية ، وتوافر الخبرات و الأموال المحلية. ألأمر الذي يتطلب وضع خطة عملية لاستثمار هذه الثروات مهما كانت متواضعة و عدم الانتظار حتى تأتي الشركات العالمية الكبرى التي لديها اعتبارات تجارية لا علاقة لها بالضرورة بما يمكن أن يكون مجديا للأردن.
إن المداخل لتحسين و تحريك الاقتصاد كثيرة، وللحكومة دور قيادي في الانطلاق والتوجيه و خلق البيئة المواتية للقطاع الخاص ليأخذ دوره في كل ذلك. ومع هذا إذا استطاعت الحكومة أن تتناول هذه المواضيع السبعة فقط في مطلع العام 2014 منذ بدايته، وأن تستعين بتجارب الدول الناجحة في هذا المضمار، وبالخبراء والمفكرين والمبدعين، وهم ليسوا قلة في بلدنا، تستعين بكل هؤلاء لكي تنجز فعلا، فإن تحريك الاقتصاد يصبح ممكناً وتصبح الانجازات قابلة للبناء عليها.
أما الانتظار لأنْ تتغير الأحوال من ذاتها وتلقائياً، وأن تهدأ المنطقة من ما هي فيه من عدم استقرار، وأن تخمد نيران التغيير فيها، فهذا مجرد إضاعة للفرص. إن الحكمة في التحرك، لا في التوقع والإرجاء.و إن قوة الأردن وتماسكه الاقتصادي جزءٌ من قوته السياسية والاجتماعية التي ستمكنه من مواجهة المتغيرات العاصفة. وهو الأمر الذي ينبغي أن يقع على سلم الأولويات. فالمستقبل المنشود لا يصنعه التردد، و إنما تصنعه المبادرة الجريئة الواعية.