منذ أن وضعت آخر الحروب الإقليمية أوزارها في الشرق الأوسط، وحلت محلها في أطراف هذه المنطقة بضعة حرائق موضعية متفاوتة الحدة، لا تحتفظ الذاكرة الحية بعام سُفحت فيه الدماء بغزارة شديدة، بقدر ما حدث في هذا العام الذي يلملم هذا النهار يومه الأخير، وذلك من دون أن يجري قتال بين دولتين، أو نشهد على أديم هذه الأرض قوة خارجية غازية، على نحو ما جرى في العراق قبل أكثر من عقد زمني واحد.ومع أن السنة الكبيسة (2012) التي سبقت هذا العام، لم تكن برداً وسلاماً على شعوب هذه المنطقة، بل كانت بكل المعايير سنة دامية، إلا أن العام الذي يطوي آخر سدول لياليه الحالكة هذا اليوم، كان أكثر دموية، وأشد هولاً مما سبقه، لاسيما أن الحرائق الصغيرة التي لم تنطفئ، بما في ذلك الحرائق التي اشتعلت حديثاً في بقاع عربية جديدة، قد تحولت في العام 2013 إلى نار جهنم هنا، ولظى جحيم هناك، لا يهدأ لها أوار.ومن المؤسف حقاً، بل والموجع إلى أبعد الحدود، أن القتلى والمقتولين في غضون هذا العام، كانوا في أكثريتهم الساحقة من العرب والمسلمين. إذ باستثناء ما أوقعته الطائرات بدون طيار في اليمن من أعداد قليلة نسبيا، وارتكبته قوات الاحتلال في فلسطين من جرائم قتل متفرقة، فإن كل ما سال من دم عربي، وأزهقت من أرواح، كانت بين أشقاء وأبناء عمومة، انهمكوا في صراع مكشوف على السلطة.ولعل الغزارة غير المسبوقة في سفح الدماء، وكل هذه الحدة التي ظلت تتفاقم غوراً وتتسع مدى مع مرور الوقت، يمكن ردها بصورة شبه كلية إلى دخول حركات الإسلام السياسي على خط الصراع على مغانم السلطة من جهة أولى، وإلى احتدام مظاهر الفتنة المذهبية في هذه الأثناء من جهة ثانية، على نحو ما تتجلى عليه الشواهد العملية الملموسة في معظم ساحات قتال الإخوة الأعداء.بل إنه يمكن القول بقدر ضئيل من التحفظ، إن هذين المتغيرين اللذين حطما قواعد اللعبة، أو قل هذين اللغمين اللذين أهرقا معاً جل الدماء العربية المسفوكة هذا العام، هما المسؤولان أساساً عن تصحر الربيع العربي قبل أوانه، ومنح نظم الاستبداد والفساد شيئاً من الشرعية، كي تواصل تشبثها بالحكم تحت ذريعة درء الأصولية، وإملاء نفسها بالحديد والنار، والاستمرار في مراوغتها المكشوفة.وتحدو المرء رغبة في أن يكسر جرة وراء هذا العام الدامي بامتياز، لو أن آفاق العام المقبل تبشر بأيام أفضل من سابقاتها المنصرمة. غير أن كل المقدمات الراهنة، وسائر الاستحقاقات المؤجلة، تنذر جميعها بأن العام المقبل قد يكون أدهى وأدمى من سلفه، وذلك وفق ما يلوح في آفاق أكثر من رقعة عربية واحدة في المشرق العربي، نحمد الله أن الأردن ليس من بينها، إن لم نقل إنه الواحة الوحيدة الآمنة وسط صحاريها المترامية.إذ قبل أن يحط العام 2014 عصا ترحاله غداً، تبدو المأساة السورية التي فاقت مآسي العرب جميعاً، مرشحة للتفاقم أكثر فأكثر؛ وأن خزان العنف العراقي قاب قوسين من انفجار مروع؛ فيما تبدو مصر واقفة على أعتاب مرحلة صراع داخلي لم تعرفها من قبل. أما لبنان الذي لم يتعاف أساساً من جراحه الراعفة، يندفع عن الحافة إلى هوة سحيقة. وحدث لا حرج عن اليمن وليبيا وتونس والسودان، ولا تنسَ فلسطين وربما غيرها أيضاً.ويزيد الطين بلّة، أن العرافين والمنجمين الذين لا يصدقهم كل ذي لب، لم يتورع واحد منهم عن القول إن العام الذي يقف على الباب، يخبئ لنا أهوالاً أشد، ولا يعد إلا بالمآسي المروعة والأحزان الكثيرة. وكأنهم بتنبؤاتهم السوداء هذه يعزفون لحناً جنائزياً رخيما، ويصادقون في الوقت ذاته على قراءات الكُتّاب والمحللين السياسيين، ويشاركون القوم حالة التطير إزاء المستقبل، ومشاعر التوجس التي لم تبارح الصدور منذ زمن بعيد، ضاعت فيه البوصلة الحقيقية.issa.alshuibi@alghad.jo