مراكز الدراسات والأبحاث في الولايات المتحدة منشغلة كثيراً هذه الأيام بالحرب الأهلية – المذهبية الدائرة في سوريا وبتطوراتها وتأثيراتها على محيطها والمنطقة وخصوصاً بعدما جعلت الأصوليين المتشدّدين والتكفيريين طرفاً مباشراً في الصراع جرّاء القمع غير الإنساني الذي مارسته القوات النظامية على الغالبية الشعبية الثائرة. وفي دراسة أعدّها قبل أقل من اسبوعين ديبلوماسي سابق وباحث حالياً جاء أن الرئيس بشار الأسد يقاتل وفقاً لثلاثة مبادئ استراتيجية مهمة. الأول، استعمال أقصى مستويات العنف الضرورية لإلحاق الهزيمة بالمعارضة المسلحة، وفي الوقت نفسه لكسر إرادة المدنيين الداعمين لها. ودفع ذلك المعارضة الى ممارسة المستوى نفسه من العنف رغم أن امكاناتها السلاحية لم تكن يوماً لا متساوية ولا قريبة من مستويات تسلّح قوات الأسد. وفي هذا الاطار جاء استعمال الأسلحة الكيماوية ضد المعارضة والمدنيين. وفي الاطار نفسه كانت أعمال قتل المتمردين والانتقام من المدنيين بعد نجاح القوات النظامية في احتلال بلدة مُقاومة أو قرية أو منطقة. والهدف كان إبلاغ الناس في مناطق المعارضة أي مصير ينتظرهم في حال استمروا في دعمها. والمبدأ الاستراتيجي الثاني هو استثمار أو استغلال الديبلوماسية لمنع حصول المتمردين على أي دعم فعلي، والسعي الدؤوب لتلافي وقوع النظام السوري في عزلة سياسية، بل في عزلة اقليمية ودولية. وقد نجح هذا النظام بمساعدة حلفائه وخصوصاً روسيا وحق “الفيتو” (النقض) الذي مارسته اكثر من مرة في مجلس الأمن في أن يحصّن نفسه ضد أي تهديد يمكن أن يشكّله له الغرب عموماً ومناهضون آخرون له. كما تلاعب بمبادرات وقف اطلاق النار التي طرحتها وأكثر من مرة جهات عدة، وكان هدفه دائماً أن لا يعيق تجاوبه مع أي منها، على قلة تجاوبه، عملياته العسكرية. وعندما حشره المعارضون ثم المجتمع الدولي بقضية استعماله السلاح الكيماوي ضد شعبه وافق على التخلي عنه، فعطّل بذلك تهديد أميركا بتوجيه ضربة عسكرية محدودة له. وتمكّن رغم ذلك من توجيه ضربة ضد الثوار بالطريقة التي يريد. وفي ما يخص مؤتمر جنيف، فان مسؤولين سوريين رسميين قد يشاركون في أعماله ولكن ليس للتوصل الى حل جذري وشامل، ولا لتسليم مفاتيح السلطة الى المعارضة، بل “لحجز” ممثلي هذه الأجهزة في مفاوضات لا يتوقعون منها نتائج ويعملون على إحباط نتائجها.
أما المبدأ الاستراتيجي الثالث للنظام السوري فهو الاستمرار في رواية القصة الرسمية نفسها، وهي أن قوات النظام تربح الحرب على “الارهابيين” وأن النظام لا يزال قوياً ومتماسكاً. وهو يستعمل لهذه الغاية كل وسائل الاعلام المتاحة له من محلية وأجنبية. ويبدو أنه نجح في تقديم دليل حسي على تفاقم التهديد الارهابي في سوريا وعلى أنه ربما يسير في طريق الانتصار في المعارك الميدانية.
هل وصل الباحث بعد ذلك كله الى استنتاج ما؟
تفيد دراسته أن نظام الأسد يحتاج إلى توافر ظروف عدة سياسية وعسكرية لكي ينتصر. أبرزها استمرار الدعم الديبلوماسي له من حلفائه، واستمرار الانقسامات في صفوف المعارضة والثوار والمقاتلين، واستمرار غياب تفاهم ثابت بين الغرب وحلفائه حول طريقة التعاطي مع الأسد ونظامه. وابرزها عسكرياً استمرار التحالف العسكري بينه وبين شركائه روسيا وايران و”حزب الله”، واستمرار القوة الضاربة الكبيرة للجيش، واستمرار النجاح في تلافي تدخل خارجي لمصلحة المتمردين أو دعم خارجي تسليحي مهم لهم. لكن دراسة الباحث نفسه تفيد ايضاً أن نظام الأسد يواجه قيوداً قد تحول دون إنجاز حلمه الانتصاري أبرزها محدودية عدد قواته المُقاتِلة مقارنة بقوات الثوار على تشرذمها، والاعتماد أكثر من اللازم على القوى غير النظامية جراء الانهاك والفرار، ومواجهة صعوبة في الاستمرار في تنفيذ عمليات هجومية وخصوصاً على مواقع عدة في وقت واحد، والحاجة الى تلافي التضاد والتناقض مع الحلفاء الذين يحتاج اليهم الأسد في قوة. وهذا يعني ضرورة استماعه اليهم في كل ما يتعلق بالحرب الدائرة.
طبعاً لا يخلص الباحث الى جواب نهائي وحاسم عن انتصار الاسد أو خسارته في الحرب الدائرة. لكنه يعطيه بعض أمل في التفوق على المتمردين عليه، ولكن من دون أن يوقف ذلك الثورة، وربما من دون أن يستعيد السيطرة على سوريا كلها. ويعني ذلك استمرار الحرب.
سركيس نعوم/الأسد يُقاتِل وفقاً لـ3 مبادئ استراتيجية!
14
المقالة السابقة