مثلما كان متوقعاً، تم الاتفاق بين إيران ومجموعة دول 5+1 على الموضوع النووي الإيراني، الاتفاق هو الخطوة الأولى ويمتد إلى ستة شهور، جاء الاتفاق ليثبّت: الاعتراف الغربي بحق إيران في امتلاك الطاقة النووية للأغراض السلمية، مقابل تخفيضها لنسبة اليورانيوم المخّصب حتى 5%، هذا مقابل البدء في تخفيض العقوبات المفروضة على إيران تدريجياً، الاتفاق يبقي لإيران كل أجهزة الطرد المركزي التي تسمح لها بإنتاج المادة المشعة لسلاح نووي، كما أنه لا يقود إلى تفكيك مفاعل “آراك”، الاتفاق، مثلما قلنا، كان متوقعاً بعد وصول الليبرالي حسن روحاني إلى سدة الرئاسة الإيرانية، بما هو معروف عنه من اعتدال وواقعية، أيضاً فإن الجانب الغربي كان أمْيَل إلى الوصول لاتفاق، فالبديل حرب ضروس طاحنة يمكن بدؤها ولكن لا يستطيع مطلقا مراقب توقع تداعياتها أو نهايتها، إيران كسبت الاعتراف الغربي بحقها النووي نتيجة لإصرارها اللامحدود على حقها في ذلك، الولايات المتحدة وحلفاؤها اضطروا للاعتراف بهذا الحق، وبذلك استطاعت إيران فرض سياسة الأمر الواقع، تماماً مثل السابقة الكورية، التي انتهت بدخول كوريا الشمالية إلى النادي النووي، في هذه القضية تحديداً يمكن أخذ النموذجين: الكوري والإيراني كمثل يُحتذى به لدول نامية عديدة، ليس في المجال النووي فحسب وإنما أيضاً بالنسبة للسياسات الأخرى.
نقول ذلك، في ظل قبول دول كثيرة بممارسة الضغوطات عليها، فتراها تنصاع للإدارة الأمريكية بما تطلبه منها، بغض النظر عن أن هذه الطلبات قد تتعارض في أحيان كثيرة مع مصالح هذه الدول، ومصالح شعوبها، على سبيل المثال وليس الحصر السلطة الفلسطينية مثلاً، استجابت للضغوط الأمريكية في الذهاب إلى المفاوضات مع إسرائيل، في ظل تعزيز الأخيرة للاستيطان، ولتهويد القدس، ومصادرة الأراضي الفلسطينية، ليس على صعيد الضفة الغربية فحسب، وإنما حتى في مناطق النقب المحتلة، منذ عام 1948، مثال آخر يبين الفرق بين صلابة التفاوض والاستجابة للضغوط، ليبيا إبّان الحقبة القذافية، عندما وافق الرئيس الليبي على تفكيك بداية مشروع مفاعل نووي، مقابل الرضا الأمريكي عنه، ورغم ذلك وقفت الولايات المتحدة والدول الغربية عموماً مع الحراكات الجماهيرية الليبية ضد حكم العقيد.
المنزعج الوحيد من هذا الاتفاق هي إسرائيل التي لا تريد لإيران أي نشاطات نووية سواء لأغراض سلمية، وبالطبع لأي أغراض عسكرية، فلم يكد يجف حبر الاتفاق حتى كان مصدر مسؤول إسرائيلي، يصرّح بأن “الرئيس أوباما كرّس إيران كدولة حافة نووية”، معتبراً أن الاتفاق هو فشل أمريكي ذريع لا يمكن لإسرائيل التعايش معه! وابتدأت الآلة الإعلامية الإسرائيلية في مهاجمة أوباما، ووزير خارجيته جون كيري، أما ديوان نتنياهو فشدد على القول بأن الاتفاق يمنح إيران تخفيفاً جوهرياً للعقوبات، وأيضاً الحفاظ على الأجزاء الأشد جوهرية في مشروعها النووي، نتنياهو من جانبه وبعد التنفيس عن غضبه صرّح بأن الاتفاق غير مُلزم لإسرائيل، لذا ليس من البعيد أن يلجأ ذوو الرؤوس الحامية في تل أبيب إلى القيام بخطوة أشبه ما تكون بالانتحارية، من خلال الشروع في قصف المشروع النووي الإيراني، ومع استبعاد قيام إسرائيل بهذه الخطوة، إلا أنه لا يمكن نفيها بصورة إطلاقية، إسرائيل وإذا ما قامت بضربتها، فإن الضربة تكون فاقدة لغطائها الشرعي دوليا بالمعنى السياسي، وستمتلك إيران الحق المطلق في الرد، سواء من قبلها أو من قبل حلفائها.
بالنسبة للقلق العربي من إيران النووية، فبإمكان دول عربية كثيرة البدء في إنشاء مفاعلات نووية للأغراض السلمية، بالطبع فإن إسرائيل ستمانع أن تقوم مثل هذه المفاعلات في أي دولة عربية، والدليل على ذلك ما قامت به إسرائيل من ضربة للمفاعل النووي العراقي، تبديد المخاوف من إيران يكون بامتلاك ما تمتلكه من وسائل، هذا من جهة، ومن جهة أخرى فقد أكدّ الرئيس الإيراني روحاني على حرص طهران على علاقاتها مع الدول العربية، وخاصة مع الدول الخليجية، لا نعتقد أن إيران ستخلق تناقضاً مع جاراتها العربيات، لأن توقيع اتفاقها مع الدول الغربية يعني فيما يعينه اعترافاً دولياً بدورها الإقليمي في المنطقة، ومن المنتظر أن تحرص الدول الغربية على مشاركة إيران في أي جهود دولية لتفكيك ملفات المنطقة، وبالطبع على رأسها الملف السوري.
إن أحد الدروس المستفادة من التجربة الإيرانية أيضا هو: القدرة العالية على تطبيق قانون تفاوضي، يمزج ما بين الصلابة، والمرونة، فحتى في عهد الرئيس أحمدي نجاد المشهور عنه بأنه غاية في التشدد، فإن شعرة معاوية بين إيران والدول الغربية، لم تنقطع بكافة المعاني، صحيح أن هناك حصارا غربيا لإيران، لكنها صمدت أمام هذا الحصار، من ناحية ثانية فإن الاتفاق الأخير يؤسس لمرحلة جديدة من اتفاقيات عديدة قد تكون مستقبلاً حول البرنامج النووي الإيراني.
بالنسبة لإيران وإنتاج القنبلة النووية، فإن طهران لم تطرح مثل هذا الهدف على صعيد برنامجها النووي، لكن بالمعنى الفعلي حتى لو أرادت إنتاج مثل هذه القنبلة، فإنه وبرغم موافقتها على فتح منشآتها النووية بشكل أفضل من السابق أمام التفتيش الدولي، ففي التقدير أنها ستكون قادرة بالمعنى النظري على إنتاج مثل هذا السلاح، فهي ومثلما أجبرت الغرب على الاعتراف بحقوقها النووية، ستكون قادرة مستقبلاً على إجباره بالاعتراف بحقها في إنتاج السلاح النووي تحت سياسة الأمر الواقع، رغم كل هذه الممانعة التي يبديها الغرب لهذه المسألة وخاصة إسرائيل، التي ما زالت تعد لتوجيه ضربة عسكرية للمشروع، مع العلم أن نتنياهو تعهد في موسكو بعدم السماح مطلقا لإيران بامتلاك القنبلة النووية.