لم يعد هناك شك أو سر بأنه توجد خلافات متصاعدة بين دول مجلس التعاون في شأن ما يجري على الساحة الداخلية والخارجية، في الشأن الداخلي ليس هناك صفاء بين النخب السياسية، تلك اللحظة من عدم الصفاء تنعكس على الأداء السياسي لدول المجلس في المجال العربي والدولي، ولن أذهب بعيدا في شرح تلك الحالة.
المملكة العربية السعودية انفتحت على أكثر من جبهة عربية ساخنة ولا شك بأنها اللاعب الأكبر والأكثر نفيرا، وذهبت دولة قطر ودولة الإمارات العربية المتحدة والكويت لتؤدي كل منها دورها في الشأن العربي، لكن حال الأمة العربية، خاصة مراكز الأزمات (سورية ولبنان ومصر واليمن وتونس وليبيا)، لا يمكن لطرف عربي بمفردة أن يصل إلى تحقيق أهدافه في أي من تلك المراكز ولا بد من عمل جماعي “إن يد الله مع الجماعة”.
(2)
يكمن الخطأ في الدبلوماسية الخليجية بكل أنواعها في أن الأمانة العامة لمجلس التعاون الخليجي منكبة على نفسها، ليس لها عقل إستراتيجي ولا مهارة دبلوماسية ولا مبادرات فعالة ومغيبة عما تفعله دول المجموعة، إنها لم تقدم مشروعا تطلب من قادة مجلس التعاون تبنيه تجاه أي من مراكز الأزمات آنفة الذكر والتي بالضرورة ستؤثر على مستقبل الخليج العربي في المدى القصير والبعيد.
المواطن الخليجي في حيرة من أمره وفيما يجري حوله، الغرب القوي المتنفذ (5 + 1) دخل في مفاوضات شاقة لأكثر من خمسة أعوام مع جمهورية إيران الإسلامية حول بند واحد وهو “برنامج إيران النووي” وكل رمى بكل ثقله لتحقيق هدف من أهدافه وفعلا توصلت الأطراف جميعها لتحقيق أهداف، منها ما نعلم ومنها ما لا نعلم، ولكن نتبين من مسار الحوارات بين تلك الأطراف أننا ضمن لعبة المساومة، وفي تقدير الكاتب أن إيران انتزعت لنفسها شرعية لتكون اللاعب الأساسي في مستقبل منطقة الشرق الأوسط، خاصة منطقة الخليج العربي.
جدل إيران أمام “مجموعة الستة” أنها دولة واحدة متماسكة وأن نظامها ديمقراطي وتؤمن وتمارس تداول السلطة بطرق سلمية ولم يكن من مواطنيها من هو متهم بالإرهاب أو قام بأعمال إرهابية وليس في أي من أطرافها اضطرابات كما هو الحال في الوطن العربي حليف الغرب ولهذا هي الأجدر والأقوى بأن تكون الحارس الأمين لحماية مصالحها ومصالح الغرب في المنطقة وعلى رأسها تأمين انسياب النفط والغاز بأبخس الأثمان ودون إعاقة، وهذه الحجة تجد أذنا صاغية لدى الأوروبيين.
الغرب يعلم أن إيران هي المهيمن والمسيطر على العراق الشقيق وهي التي تدير سياسته الداخلية والخارجية والعسكرية، وهي القوة النافذة والمسيطرة في سورية، وهي التي تدير المعارك العسكرية هناك ضد الشعب السوري الثائر من أجل الكرامة والحرية وحقه في اختيار نظام حكمه، وهي لاعب رئيسي في لبنان، بمعنى آخر إيران نفوذها ممتد من شرق أفغانستان حتى شواطئ البحر الأبيض المتوسط، لم يكن الأمر هنا وإنما امتد النفوذ إلى السودان والقرن الإفريقي واليمن، بمعنى آخر تم تطويق دول مجلس التعاون من الشرق والشمال والجنوب والغرب، فماذا نحن فاعلون؟
(3)
ضجة في الرياض وحركة سياسية غير معهودة بين دول المنطقة، وزير الخارجية السعودي يتنقل بين بعض عواصم مجلس التعاون، يتبعه وزير خارجية الإمارات متنقلا بين تلك العواصم دون المرور على عاصمة قطر، وقبل ذلك أمير دولة قطر سمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني يزور عددا من العواصم الخليجية، غمز ولمز على قطر عبر وسائل الإعلام التابعة لبعض تلك الدول، وقطر تترفع عن النزول إلى ساحة الدنس الإعلامي بكل وسائله، أحدهم يقول عن قطر: “300 شخص ومحطة تلفزيون”، والحق أن كلمة الكبير كبيرة ولا بد أن يتحمل مسؤولية القول.
وللعلم المواطن القطري رجل الكرامة وعزة النفس يُنتقى يوم الوغى كما حدث في عام 1991، يرفض التعالي عليه أو تجاهله، كما يرفض المس بسيادته وقيادته وكرامته.
بالأمس القريب قمة ثلاثية في الرياض بين (السعودية والكويت ودولة قطر) دعا لها الشيخ صباح الأحمد الصباح أمير دولة الكويت، وحسنا فعل.
كنت أتمنى أن يكون جدول الأعمال يتضمن العمل الجاد والصادق على توحيد صفوف المعارضة والثورة في سورية، وتشكيل قيادة عسكرية موحدة وجبهة سياسية متحدة ممثلة بالائتلاف السوري، وأن تشكل الأطراف الخليجية المعنية قيادة موحدة من أجل مساندة الثورة السورية بكل الوسائل من أجل تحقيق الهدف وهو إسقاط النظام وقيام حكم وطني يختاره الشعب السوري.
يعلم المجتمعون في الرياض أن النظام السوري يحقق انتصارات على الأرض مع أعوانه من العراقيين والإيرانيين وحزب الله اللبناني وغيرهم من المرتزقة، لأنهم يشكلون جبهة واحدة وقيادة واحدة ومصدر تمويل واحدا ومصدر تسليح واحدا وهدفا واحدا وهو دحر الثورة والقضاء عليها. إيران وبموجب اتفاقها مع الخمسة الكبار في جنيف بالأمس ستكون شريكا فاعلا ومفاوضا شرسا في مؤتمر “جنيف 2” إذا انعقد للنظر في الحالة السورية المتصاعدة. في الوقت نفسه الذي يختصم فيه أنصار الثورة الفاعلون على من يكون ومن لا يكون وفي النهاية سيخسرون وسيربح النظام في الشام وستربح إيران والخاسر الأكبر هي دول مجلس التعاون الخليجي.
كنت أتمنى أن يكون على جدول قمة الرياض الثلاثية “موضوع اليمن” وانتشاله من المنزلقات التي يقع فيها، وحسنا فعلت قطر بتبرع لصندوق تعويضات أبناء الجنوب مما لحق بهم من خسائر إبان حكم علي عبد الله صالح بمبلغ 350 مليون دولار.
كنت أتمنى أن تشّرع القمة الثلاثية في الرياض إعطاء اليمن الأولوية في تشغيل اليد العاملة اليمنية في كل الحقول في دول مجلس التعاون وذلك جزء من مساعدة اليمن لحل مشكلة البطالة وحرمان القاعدة وإيران من تجنيد العاطلين عن العمل والمحتاجين.
كنت أتمنى من هذه القمة المباركة ألا تنشغل بأحداث مصر، فالعسكر بغوا على السلطة المنتخبة واعتقلوا رموزها ونحن في دول مجلس التعاون يجب أن نكون مع كل حكومة في النظم الجمهورية منتخبة من الشعب، لأن ذلك سيحقق الاستقرار للكل.
آخر القول: الكويت قلقة أن تفشل قمة التعاون الخليجي التي ستعقد في الكويت قريبا بأسباب الخلافات الخليجية، وإني أتمنى من كل قلبي أن تكون جهود الشيخ صباح في عقد القمة الثلاثية هي من أجل توحيد الكلمة الخليجية بشكل دائم، وليس من أجل إنجاح قمة الكويت الخليجية القادمة.