دعا الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين جميع المسلمين في العالم اعتبار يوم الجمعة الموافق 22 نوفمبر يوما تضامنيا لنصرة القدس والأقصى والتضامن مع المرابطين فيهما، وناشد الاتحاد كافة خطباء الجمعة في كل المساجد التي تقام فيها صلاة الجمعة بأن يتناولوا قضية القدس بالشرح والتحليل لما أصاب مدينة الصلاة. إن المطلوب من خطباء المساجد يوم جمعة التضامن مع بيت المقدس ومدينة الصلاة التركيز على استدعاء التاريخ لأنه الشاهد على اغتصاب فلسطين كلها وقلبها المسجد الأقصى وما حوله، لا بد من تثقيف الناس وتنويرهم بجوهر القضية الفلسطينية كاملة دون تجزئة.
(2)
ويجدر بنا أن نذكّر بأن جميع حملات الفرنجة على فلسطين كان شعارها ديني وتلك الحروب الصليبية التي شنت على مدينة الصلاة “القدس” في العصور الماضية تكاد تكون متطابقة مع الحملة الصهيونية المعاصرة، الدين هو المحرض وتحت تعاليمه شنت أوروبا أول حروبها الاستعمارية على الشرق.
يقول مؤرخ أوروبي “إن الحملة الصليبية هي أول تجربة في الاستعمار الغربي قامت بها أمم أوروبية خارج بلادها لتحقق مكاسب اقتصادية واسعة النطاق” وكان شعار تلك الحملات الحربية “الصليب” وهنا يأتي التطابق، وفي الحملة الصهيونية المعاصرة كان شعارها “نجمة داود” أن هدف الحملة الأولى كما يقول المؤرخون “إنقاذ القبر المقدس” وفي الحملة الصهيونية كان الهدف “إعادة بناء هيكل سليمان” هكذا استخدم الدين من أجل الهيمنة على أول قبلة في الإسلام القدس.
خطباء منابر الجمعة واجبهم أن يدحضوا الادعاءات بأن الفرنجة قدموا من أوروبا من أجل “إنقاذ القبر المقدس” في مدينة القدس وإنما جاءوا من أجل المغانم الاقتصادية، والتأكيد بأنهم دمروا ونهبوا كل نفائس الكنائس المسيحية بدءا من المجر وبلغاريا على وجه التحديد وأوروبا الشرقية عامة وهم في طريقهم إلى بيت المقدس، كما قاموا بفظائع رهيبة ضد الكنائس واتباعها في القسطنطينية ونهبوا وأحرقوا الكتب المقدسة وداسوها بأقدامهم، فأي إنقاذ “للقبر المقدس” كما يدعون؟
وهنا يأتي التطابق بينهم كحملة استعمارية وافدة من الغرب مع الحملة الصهيونية القادمة من الغرب أيضاً لاحتلال فلسطين. فالحملة الصهيونية هدمت المساجد والكنائس وبعثرة القبور وأحرقت جانبا من المسجد الأقصى بما في ذلك منبر صلاح الدين ونهبت كل النفائس التي كانت في كنيسة القيامة الواقعة إلى جوار المسجد الأقصى.
(3)
خطباء المساجد عليهم دور مهم في تنوير الأمة بماضيها من أجل حاضرها. يجب تعليم المأمومين من على منابر خطب الجمعة أن مدينة القدس عربية من أيام اليبوسيين والكنعانيين وهم من أجدادنا الميامين، اتخذوا بيت المقدس، دار عيسى ابن مريم، موطنا قبل غزوات العبرانيين واليونان والفرس. بيت المقدس كانت موطن دعوة عيسى ورسالته، ومنبر حواره مع الطغاة، وساحة عذابه مع البغاة من أتباع موسى عليه السلام، فارقوا الدين الحق.
مدينة القدس موئل الرسول محمد عليه السلام في معراجه ومسراه، هي أخت مكة موطن نشأته ونجواه، وشقيقة المدينة المنورة دار هجرته ومثواه. كانت الركعة الأولى في الإسلام أداها محمد صلى الله عليه وسلم نحو بيت المقدس إنها القبلة الأولى، كان عليه السلام يقول “إن الجنة لتحن شوقا إلى بيت المقدس”.
على خطباء مساجد الجمعة أن يعلموا الناس أن غزوة مؤتة (629 م) بعثها الرسول محمد عليه السلام إلى معان (الأردن) لتتصدى للروم في ديار الشام، وهي تتطلع نحو بيت المقدس. وتلك معركة تبوك (630 م) قادها الرسول صلى الله عليه وسلم بنفسه وأشواقه تتطلع نحو بيت المقدس.
ما أشبه الليلة بالبارحة القدس تتعرض لتدمير شامل ومسح معالمها العربية الإسلامية، ويتعرض أهلها من العرب المسلمين والمسيحيين على حد سواء لكل أنواع التهديد بالقتل والتدمير ومصادرة الأملاك.
(4)
لقد أعلنت سلطات الاحتلال عن طرح قانون يشرع لانتهاك قدسية المسجد الأقصى، وذلك بتقسيمه بين المسلمين أصحاب الحق واليهود الغاصبين علما بأن إلحاق مدينة القدس بالكيان الإسرائيلي بعد احتلالها عام 1967 لم تعترف به الأمم المتحدة. إن تقسيم المسجد الأقصى ستنفذه إسرائيل ما لم يكن هناك موقف عربي إسلامي واضح في رفضه لكل ممارسات إسرائيل في مدينة القدس بما في ذلك مشروع التقسيم، إن لغة الشجب والإدانة والاستنكار والاحتجاج لم تعد تجدي نفعا ولن ترد حقوقا ولن تحمي مقدسات.
إن أول خطوة لمواجهة هذه الانتهاكات يجب أن تأتي من السلطات الفلسطينية في رام الله، محمود عباس ورهطه، يجب عودتهم إلى المربع الأول لنهج المقاومة الفلسطينية، إن المفاوضات مع هذا الكيان الغاصب ليست مجدية وقد جربتها سلطات أوسلو من عام 1993 وحتى اليوم ولم يتقدموا خطوة واحدة بل العكس هو الصحيح، انتهاكات إسرائيل زادت، والاستيطان اتسعت دائرته، والمعتقلون الفلسطينيون تتزايد أعدادهم في سجون السلطة وسجون إسرائيل، وتهويد القدس يسير بخطوات سريعة، وتهجير سكانها أو اعتقالهم بعد أن يهدموا بيوتهم بأيديهم أو تسديد فواتير الهدم التي ستقوم بها قوات الاحتلال الإسرائيلي.
أما القادة العرب والمسلمون إن كانوا صادقين في نصرة مدينة الصلاة والحرم المقدسي فالخطوة الأولى عربيا هي العودة إلى نظام المقاطعة بكل درجاتها، وتجميد عملية التطبيع على أن تسحب الدول العربية التي أقامت مع إسرائيل تمثيلا دبلوماسيا كل ممثليها لدى الكيان الصهيوني وطرد البعثات الإسرائيلية الدبلوماسية والتجارية والثقافية من تلك الدول.
كما يجب على منظمة التعاون الإسلامي أن تنشط في هذا المجال لإقناع الدول الإسلامية بضرورة مقاطعة إسرائيل وإلغاء التمثيل الدبلوماسي أو التجاري مع إسرائيل حتى تستجيب لمطالب الفلسطينيين وعلى قمة تلك المطالب إيقاف كل أعمال الهدم والانتهاكات وتشريد سكان القدس وعدم المساس بالمقدسات الإسلامية. ليس هناك حلول أخرى مع هذا الكيان سوى القوة.
آخر القول: أتمنى أن تتحقق دعوة اتحاد علماء المسلمين اليوم الجمعة وتخرج جحافل المسلمين في كل عواصم الدنيا في مسيرات سلمية لمناشدة قادة العالم الإسلامي وغيرهم باتخاذ مواقف فعالة وعملية لإجبار إسرائيل عن التراجع عن مشاريعها بشأن القدس ولاّ علينا القول لا نفع في رعود لا تسقط المطر.