لقد شرفت بدعوة كريمة من قبل الجامعة الأردنية للحديث عن فكرة الدولة في الإسلام، وحول مصطلح الدولة المدنية المتداول و المبادرة الأردنية للبناء المعروفة بمبادرة (زمزم)، وفي هذا السياق لا بد من توجيه الشكر لرئيس الجامعة أولاً الذي ينطلق من فكرة تفاعل الجامعة مع المجتمع، ومن فكرة أن الجامعة ينبغي أن تكون محصناً للأفكار، وساحة للحوار، ومنطلقاً للتثقيف المجتمعي، وأن تسهم بجذب الطلاب نحو المعترك الفكري والإبداع الثقافي والسجال السياسي، وعدم تركهم للسجال العشائري والتعصب المناطقي…
تنوي الجامعة الشروع بإيجاد مبنى جديد لكلية الشريعة، يليق بمكانتها، ويتسع للعدد الكبير من الطلاب المقبلين على دراسة العلوم الشرعية، وهذا – ما لا شك فيه- يمثل خطوة منتظرة لدى معظم أساتذة الشريعة، وحلم جميل يراود طلبة الشريعة، وفي الوقت نفسه فإن ذلك مناسبة للحديث حول ضرورة الشروع بعملية تجديد لمنهجية كلية الشريعة في التدريس، ومناسبة لإعادة النظر بحملة أمور مهمة تخص الفكر الإسلامي، و الكلية والجامعة والمجتمع، وطريقة اختيار طلبة العلوم الشرعية، ومنهجية اختيار الأساتذة واعدادهم.
أهم الأولويات وأولاها أن تحدد الكلّية رؤيتها ورسالتها بوضوح أشد ، وأن تصوغ أهدافها وغاياتها، وأن تضع خططها ورسائلها وأساليبها بناءً على تلك الرؤية والرسالة المنبثقة من الفهم الواسع للإسلام بكونه إطاراً حضارياً للأمة، و معبراً عن جوهر فلسفتها في التعامل مع الحياة والكون، ومصدراً لهويتها وثقافتها الجامعة.
والأمر الآخر أن تدريس العلوم الإسلامية ينبغي أن يركز على توثيق صلة الطلاب بالحياة المعاصرة وتطوراتها وما طرأ عليها من تحديث وتغيير كبير، وينبغي الابتعاد عن الاقتصار على حفظ المنقولات القديمة، والاجتهدات السابقة، والاستغراق بتفاصيل الماضي، مع ضرورة الإقرار باحترام كل الاجتهادات السابقة وتقديرها حق قدرها، دون تقديس أو إصباغ للعصمة عليها، مع محاربة منهج التقليد الأعمى، ومنهج التعصب البغيض.
يجب أن ترفع الكلية شعار التجديد الحقيقي الذي يتناول الخطاب والعقل والفقه في كل مجالات العلم، بخاصة في مجالي السياسة والاقتصاد، ففي مجال السياسة يجب أن يصار إلى بلورة شكل الدولة، وطرق إدارتها، والوقوف على مصادر الحكمة والخبرة البشرية في تحقيق سلطة الشعب في الحرية والاختيار، وتمكين الأمة من المراقبة والمحاسبة، التي تحقق مقاصد الشريعة على الوجه الأكمل. ومن ثم بيان الإطار الفقهي الذي يتسع للتعددية السياسية، ويستوعب الخلاف القائم على الاجتهاد، وفي تقدير المصالح بطريقة منطقية ومرنة.
وفي مجال الاقتصاد يجب أن يصار إلى توجيه العقول الذكية نحو صياغة الحلول العملية للمشكلة الاقتصادية من خلال الفلسفة الإسلامية في التعامل مع المال، وتوجيه العقول نحو الإبداع في تطوير الأعمال المصرفية الحديثة التي تشكل عصب الاقتصاد المعاصر.
أما القضية الأخرى التي لا تقل أهمية عن سابقاتها، فهي قدرة الكلية على محاربة التطرف، ومواجهة نزعة العنف المغلفة بالانتساب للإسلام، وذلك من خلال التوسع في الحوار، وفتح المجال للسجال السياسي والفكري المرتكز على مقاصد الإسلام، ومضامين الشريعة، في الجهاد وقتال الأعداء، وبيان موقف الفقه الإسلامي من المخالفين في الدين والمذهب والفكر والموقف السياسي، إذ من الملاحظ أن التطرف يترعرع في أوساط الجهلاء وأنصاف المتعلمين الذين عجزوا عن إدراك غايات الإسلام ومقاصده العامة، وعجزوا عن امتلاك أدوات البحث وأساسيات الفهم.
د.رحيل غرايبة/في رحاب الجامعة الأردنية
20
المقالة السابقة