سلطان الحطاب/العربية غريبة هنا وفي ديارها!

كل شعوب الأرض تتكلم بلغاتها إلا نحن العرب فإننا نتكلم في مؤتمراتنا ومؤتمراتهم بلغاتهم.. ثم بعد ذلك نبكي على اللغة العربية ونتسائل لماذا تتراجع لغتنا وتصبح غريبة حتى في بلدانها؟
عزة اللغة من عزة أبنائها فإن كان أبناؤها أعزاء كانت لغتهم وإن أحسوا بالدونية فرطوا بها شأن تفريطهم في قضايا كثيرة.
كنت في مؤتمر الانسانية العالمي المعقود في «باكو» عاصمة اذربيجان وقد حضر المؤتمر (600) شخصية تكلمت بالعديد من لغات الارض ولكني لم أسمع العربية في المؤتمر وخاصة في قاعاته الرئيسية وغرف الحوارات، إذ غابت تماما وغاب المترجمون منها وإليها،في حين تحدث الرئيس البلغاري بلغته والروماني وحتى الاستوني والروسي والمندوب التركي ودول أسيوية وحتى افريقية لا تتجاوز لغتها حدودها وملايينها المعدودة على الأصابع.. غابت العربية التي يتكلمها امتداد جغرافي في اسيا وافريقيا يمتد لمسافة (9) ساعات بالطائرة ويترامى بأوسع مما تترامى فيه الولايات المتحدة.. حضر عرب تكلموا بالانجليزية.
كنت أحس بالقهر والضيق.. لماذا فعلنا بلغتنا ما فعلناه، ونريد الاخرون ان يهتموا بها ونحن لا نهتم.. فكيف يمكن إحياؤها وتطويرها وتعظيم شأنها وجعلها جزء من هويتنا إذا نحن لم نستعملها في المنابر الدولية،والمؤتمرات ونتحدث بها ونمكن الأخرين من سماعها مجردة أو بالترجمة.
اللغة هي ناقل فكر وهي اداة التفكير ووسيلته وقد كان لافتا حين كان العرب يتطلعون للعزة وينشدون الاستقلال والتقدم حين تقدم الرئيس عبد الناصر وخطب بالعربية في الامم المتحدة وأصبح ذلك تقليدا لرؤساء عرب في حين أنهم وفي محافل هامة وخطيرة لا تقل أهمية لا يتحدثون العربية ولا يخاطبون الشعوب والثقافات الأخرى بها..
اليست العربية لغة القرآن فلماذا لا تدرس في مدارس الدول الاسلامية كافة ؟ ولماذا لا تعتمد، لماذا نجدهم يدرسون في مدارسهم لغات ذات شأن في حين يهملون العربية.مسؤولية من هذه ولماذا لا تعقد الجامعة العربية التي لم تنجز وحدة ولا تكاملا اقتصاديا ولا حلولا عربية لكثير من القضايا الساخنة، مؤتمرا عمليا يؤكد العربية ويضع لها مناهج تدريس لغير الناطقين بها كما اللغات الاخرى، المهمة التي تسهر دولها عليها وتفتح المراكز والمعاهد والارساليات والبعثات لإشاعتها وتدريسها.
لماذا نعين في المراكز المهمة والاستشارات ومفاصل الدولة كل من رطن بالانجليزية حتى وان تعلمها في الشارع اثناء البطالة والتسكع دون أن يحمل شهادات او يدخل جامعات وتفتح له السبل والمواقع في حين ننبذ الكثيرين من مفكرينا إن كانت ثقافتهم عربية ولسنا بصدد ضرب الأمثلة على مثل هذه النماذج فكثير ممن جرى تعيينهم في الناصب يرطنون بانجليزية غير مثقفة ولا قائمة.
حان الوقت ليبادر الى عمل عربي مشترك عبر العالم في هذا المجال وأن تخصص له موازنات وتقوم له رابطة عربية مثل رابطة المتحدثين بالانجليزية»الكومنولث» او الفرنسية « الفرنكفونية « فنحن الآن بحاجة الى ذلك لنغيّر التفكير السائد والجاهز عن العرب والعربية وعن تاريخنا بعد كل هذا التشويه الذي لحق بصورة العربي واتهامه بالرهاب والتطرف.
نحن أصحاب لغة جميلة قال عنها المفكر الفرنسي جاك بيرك :»الآن عرفت لماذا حرم الاسلام الخمر.. فللعرب لغة تدور بالرؤوس».. انها العربية التي يحاربها ابناؤها بأكثر مما يحارها أعداؤها..إجلسوا إلى مطعم أو مقهى في حي راق من أحياء عمان وأسمعوا كيف يتكلم الأولاد والبنات مع أمهاتهم والعكس. وكيف شطبت العربية أدبا وتاريخا من المناهج وأصبحت خيارية التعلم وشطب كذلك تدريس التاريخ وبعد ذلك نسأل كيف تكون الهوية ونثير ذلك في الخطاب السياسي والرسمي.
ندوة أذربيجان والندوات الكبرى حتى داخل الأردن تفتح هذا الجرح ففي حين يتعلم الاسرائيليون الطب بالعبرية وهي أقدم من العربية ويتحدث قادتهم بها في المحافل رغم أنها خليط وهي لغة جرى إحياؤها رسميا بعد قيام اسرائيل، نجد أنفسنا ندرس كل المواد العلمية بالانجليزية او غيرها ونستثني العربية،وتضعف المجامع العربية عن اللحاق بالخرين وعن خدمة العربية لغياب الارادة السياسية العربية في هذا المجال..
أولادنا لا يفكرون بالعربية وإنما بالعاميّة ولهذا لا يستطيعون الكتابة الجيدة بها،وإنما بغيرها، ألا يستوقفكم ذلك تراجع العربية والتآمر عليها من أبنائها وغيرهم لآلاف السنين وأذربيجان نموذج على ذلك.
alhattabsultan@gmail.com

شاهد أيضاً

الإعلامية سارة علي لا ترضى إلا أن تتذوق طعم النجاح

عروبة الإخباري – هناك قول، عن النساء صاحبات البصمة المميزة في الحياة العملية، والنجاح مع …

اترك تعليقاً