عروبة الإخباري -انتهى من ارتداء بدلته الأنيقة وتأكد من وضع “الوردة البيضا” فى الجيب العلوى، لم يلق بالاً للشعر الأبيض الذى يحدثك بسنوات عمر قارب على الثمانين، خطوات منهكة ممزوجة بنظرات شابة متوترة للقاء “ليلة العمر” هى ما قطع بها المسافة بين غرفته بالجناح الرجالى بدار المسنين متوجهاً إلى غرفة العروسة التى لم يخفِ إحمرار وجنتيها سنوات عمرها التى تجاوزت الستين أيضا فى انتظار “عريس الأحلام” الذى طال انتظاره، تقدم ببوكيه الورد قبل أن يقبلها لتتأبط ذراعه وتبدأ زفة “عرسان ما بعد الستين” فى دار الصفا لرعاية المسنين الذى احتفل بزفاف “عم حمدى” على الحاجة “زينب” بعد قصة حب شهد عليها زملاء “الونس” فى الدار، وزعوا الابتسامات الخبيثة أحياناً أثناء مراقبة الحبيبين معاً فى الدروس الدينية والأنشطة، ولم يخفوا سعادتهم عندما تقدم الحاج “حمدى” طالباً يد الحاجة زينب لقضاء ما تبقى من العمر كأكبر عروسين فى مصر.
جسد منهك بالكاد يقوى على الحركة بشرة بيضاء اختفت تحت التجاعيد التى لم تخفِ مسحة من وسامة قديمة احتفظ بها الحج “حمدى الراشد” الذى جلس بجوار عروسه التى احتفظت هى الأخرى بملامح جمال مازال واضحاً فى تفاصيل وجهها، بخجل ممزوج بسخرية قالت الحاجة “زينب”: خليه يحكى هو بقى ده فاكر كل حاجة”، التفتت لزوجها الذى احتضن يديها بيدين لا تكف عن الرعشة قائلاً: “أنا قابلتها فى درس الدين لاقيتها مثقفة جداً وحافظة القرآن،سألت عليها وعرفت أنها من عيلة كبيرة وكانت مدرسة إنجليزى، قررت أتقدم لها ووافقت” ” يصمت قليلاً ثم يضحك مازحاً “وهى كمان كانت بتسأل عليا” يحكى “عم حمدى” عن قصة حبهما التى بدأت فى إحدى المحاضرات الدينية ينظمها دار الصفا لنزلائه من المسنين، الحاج حمدى الذى قضى 10 سنوات كاملة فى دار المسنين منعزلاً، لم يكن يعلم وقت انضمامه للدرس الدينى أنه سوف يلقى الحاجة زينب التى انضمت للدار مؤخراً منذ عدة أشهر ليقع فى حبها ويقرر الزواج منها لقضاء ما تبقى من العمر معها.
أما عن حياته قبل الحاجة زينب فيسردها “عم حمدى الراشد” المحاسب السابق فى القوات الجوية، وصاحب الأملاك كما يصفه الجميع فى الدار، 10 سنوات كاملة قضاها منعزلاً فى الدار بعد أن سافر أبناؤه للعمل بالخارج، “انتهت وحدتى بعد ما شفت زينب”، نظرات عينيها أثناء حديثه تحدثك بوحدتها التى انتهت أيضا بلقاء “الحاج حمدى” والزواج منه.
مازالت تحتفظ بخجلاً من الذهاب للجلوس معه فى غرفته فى الجناح الرجالى، وهو ما يوصفه “عم حمدى” قائلاً: لسه بتتكسف تقعد معايا فى أوضة واحدة، يذهب إليها لقضاء بعض الوقت فى غرفتها، قد يأخذها معه فى جولة حول الدار فى شهر العسل الذى يقضيانه سوياً بين الزملاء فى دار المسنين، لم تخفِ الحاجة زينب فرحتها بإلقاء بوكيه الورد على زملائها بعد انتهاء الحفل كعروس فى ليلة العمر، اكتسبت حياتهما معاً طابعاً جديداً بعد وحدة طويلة انتهت من حياتهما بزواج “الونس” بعيداً عن جدران الدار الباردة والوحدة فى انتظار زائر لم يعد يأتى، وقررا قضاء ما تبقى من العمر فى سعادة .