ﻻ ﻳﻤﻀﻲ ﻳﻮم، إﻻ وﻳُﻐﺮﻗﻨﺎ اﻟﻤﺴﺆوﻟﻮن ﺑﺎﻟﺤﺪﻳﺚ ﻋﻦ ﻧﻌﻤﺔ اﻷﻣﻦ واﻷﻣﺎن. وﻣﺎ ﻳﻘﻮﻟﻮﻧﻪ ﺻﺤﯿﺢ ﺣﺘﻤﺎً، وﻻ ﻣﻮارﺑﺔ ﻓﯿﻪ. ﻓﺎﻷردن، ورﻏﻢ ﻛﻞ اﻷﺣﺪاث اﻟﻜﺒﯿﺮة واﻟﻜﺜﯿﺮة اﻟﺘﻲ ﻋﺼﻔﺖ ﺑﺎﻟﻤﻨﻄﻘﺔ، ﺑﻘﻲ ﻗﺎﺑﻀﺎً ﻋﻠﻰ أﻣﻨﻪ، وﻟﻢ ﺗﺴﻞ ﻓﯿﻪ ﻧﻘﻄﺔ دم واﺣﺪة. واﻟﺴﺒﺐ ھﻮ ﺣﻜﻤﺔ اﻟﺪوﻟﺔ ﺑﻜﻞ ﻣﺆﺳﺴﺎﺗﮫﺎ، وﻛﺬﻟﻚ اﻟﻤﺠﺘﻤﻊ اﻟﺬي ﺗﻨﺎزل ﻋﻦ ﻛﺜﯿﺮ ﻣﻦ ﻣﻄﺎﻟﺒﻪ اﻹﺻﻼﺣﯿﺔ ﻟﻺﺑﻘﺎء ﻋﻠﻰ أﻣﻦ اﻟﺒﻠﺪ وأﻣﺎﻧﻪ.
ﻟﯿﺲ ﺛﻤﺔ ﻣﺸﻜﻠﺔ ﻓﻲ ﻛﻼم اﻟﻤﺴﺆوﻟﯿﻦ، اﻟﻠﮫﻢ ﺑﺎﺳﺘﺜﻨﺎء أﻧﮫﻢ ﻳُﺴﻘﻄﻮن ﻣﻦ ﻣﻌﺎدﻻﺗﮫﻢ أن ﻣﻔﮫﻮم اﻷﻣﻦ واﻷﻣﺎن ﻳﺘﺠﺎوز اﻷﺣﺪاث اﻟﺪﻣﻮﻳﺔ؛ ﻣﻦ ﻗﺘﻞ وﺳﻔﻚ دﻣﺎء.
ﻟﻸﻣﻦ واﻷﻣﺎن ﻣﻨﻈﻮﻣﺔ ﻣﺘﻜﺎﻣﻠﺔ ﻻ ﺗﺘﺠﺰأ. وﻟﮫﻤﺎ أﻳﻀﺎ أﺑﻌﺎد أﺧﺮى، ﺗﻨﺄى اﻟﺤﻜﻮﻣﺎت ﻋﻦ اﻟﺤﺪﻳﺚ ﻋﻨﮫﺎ؛ أﺑﺮزھﺎ اﻷﻣﻦ اﻻﻗﺘﺼﺎدي اﻟﺬي ﻳﺘﺤﻘﻖ ﻧﺘﯿﺠﺔ اﻟﺴﯿﺎﺳﺎت اﻟﻤﺎﻟﯿﺔ واﻟﻨﻘﺪﻳﺔ واﻟﺘﻨﻤﻮﻳﺔ.
اﻟﻤﻮاطﻦ اﻷردﻧﻲ، وﻧﺘﯿﺠﺔ ﻟﻠﻈﺮوف اﻟﺼﻌﺒﺔ، واﻟﺘﻲ أدت أﻳﻀﺎً إﻟﻰ ارﺗﻔﺎع ﻣﻌﺪﻻت اﻟﻔﻘﺮ وﺿﻌﻒ اﻟﻄﺒﻘﺔ اﻟﻮﺳﻄﻰ، ﻳﻜﺎد ﻳﺒﻠﻎ ﺣﺎﻟﺔ ﻣﻦ ﻋﺪم اﻟﯿﻘﯿﻦ ﺑﺸﺄن أﻣﻨﻪ اﻻﻗﺘﺼﺎدي واﻟﻤﻌﯿﺸﻲ. وﻓﻲ اﻟﻌﻤﻖ، ﻗﻨﺎﻋﺔ ﺑﻀﻌﻒ دور اﻟﺴﯿﺎﺳﺎت اﻟﺤﻜﻮﻣﯿﺔ ﻓﻲ زﻳﺎدة ﺣﺼﺔ اﻟﻔﺮد ﻣﻦ اﻟﻨﺎﺗﺞ اﻟﻤﺤﻠﻲ اﻹﺟﻤﺎﻟﻲ، ﻣﻦ ﺧﻼل ﺗﺤﻘﯿﻖ ﻣﻌﺪﻻت ﻧﻤﻮ ﺗﻨﺎﺳﺐ اﻷھﺪاف اﻟﻤﻘﺮرة واﻟﻄﻤﻮﺣﺎت اﻟﻤﺄﻣﻮﻟﺔ واﻟﻤﺤﻘﺔ.
اﻟﻨﺎس اﻟﻌﺎدﻳﻮن ﻻ ﻳﻌﺮﻓﻮن ﺑﺎﻷرﻗﺎم ﻛﺜﯿﺮا؛ ﻓﺤﻜﻤﮫﻢ ﻣﺮﺗﺒﻂ ﺑﻤﺎھﯿﺔ أوﺿﺎﻋﮫﻢ. ھﻢ ﻻ ﻳﺤﻔﻈﻮن ﻋﻦ ظﮫﺮ ﻗﻠﺐ أن ﺣﺼﺘﮫﻢ ﻣﻦ اﻟﻨﺎﺗﺞ اﻟﻤﺤﻠﻲ، ﺧﻼل اﻟﺴﻨﻮات اﻟﺜﻼث اﻟﻤﺎﺿﯿﺔ، ﻟﻢ ﺗﺮﺗﻔﻊ ﺳﻮى 13 دﻳﻨﺎرا؛ ﻟﻜﻦ ﻳﻌﻠﻤﻮن ﺗﻤﺎﻣﺎً أن ﻣﺪاﺧﯿﻠﮫﻢ ﻟﻢ ﺗﻌﺪ ﺗﻜﻔﻲ ﻟﺘﻐﻄﯿﺔ اﻻﻟﺘﺰاﻣﺎت اﻟﺸﮫﺮﻳﺔ، ﻓﻲ ظﻞ ارﺗﻔﺎع ﻣﻌﺪﻻت اﻟﺘﻀﺨﻢ، وارﺗﻔﺎع اﻟﻌﺐء اﻟﻀﺮﻳﺒﻲ إﻟﻰ ﺣﺪود 40 % ﻣﻦ دﺧﻠﮫﻢ.
ﻣﺎ ﻳﻔﻘﺪ اﻟﻤﺮء اﻟﺸﻌﻮر ﺑﺎﻷﻣﻦ اﻻﻗﺘﺼﺎدي أﻳﻀﺎً، ارﺗﻔﺎع ﻣﻌﺪﻻت اﻟﺒﻄﺎﻟﺔ، وﺗﺤﺪﻳﺪا ﺑﯿﻦ اﻟﺸﺒﺎب؛ إذ ﺗﺠﺪ اﻟﺸﺎب ﻋﺎﺟﺰا ﻋﻦ اﻟﺤﺼﻮل ﻋﻠﻰ ﻓﺮﺻﺔ ﻋﻤﻞ، وﻟﯿﻘﻒ ﻓﻲ طﻮاﺑﯿﺮ اﻟﺒﻄﺎﻟﺔ ﻏﯿﺮ ﻗﺎدر ﻋﻠﻰ اﻟﺘﺨﻄﯿﻂ ﻟﺤﯿﺎﺗﻪ وﻣﺴﺘﻘﺒﻠﻪ. ﻓﻲ ظﻞ ھﺬه اﻟﻤﻌﻄﯿﺎت، أﻳﻦ اﻷﻣﻦ اﻻﻗﺘﺼﺎدي؟ اﻟﺴﺆال ﺑﺮﺳﻢ اﻹﺟﺎﺑﺔ ﻣﻦ اﻟﺠﮫﺎت اﻟﻤﻌﻨﯿﺔ.
اﻟﺤﻠﻘﺔ اﻟﺜﺎﻧﯿﺔ ﻣﻦ ﻣﻨﻈﻮﻣﺔ اﻷﻣﻦ واﻷﻣﺎن، ﺗﺘﻌﻠﻖ ﺑﺎﻷﻣﻦ اﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻲ. ھﺬا اﻟﺠﺰء ﺗﺤﺪﻳﺪا، وﺧﻼل اﻟﺴﻨﻮات اﻟﻤﺎﺿﯿﺔ ﻟﻸﺳﻒ، ﺑﺪأ ﻳﺬﺑﻞ؛ ﻓﻲ ظﻞ ﺗﻜﺎﺛﺮ اﻟﻌﻨﻒ اﻷﺳﺮي واﻟﺠﺮﻳﻤﺔ واﻟﺴﺮﻗﺎت، واﻧﺘﺸﺎر اﻗﺘﻨﺎء اﻟﺴﻼح واﺳﺘﺨﺪاﻣﻪ. اﻷرﻗﺎم اﻟﺮﺳﻤﯿﺔ ﺗﺸﯿﺮ إﻟﻰ أن ﺟﺮﻳﻤﺔ واﺣﺪة ارﺗﻜﺒﺖ ﻛﻞ 15 دﻗﯿﻘﺔ و58 ﺛﺎﻧﯿﺔ ﻓﻲ اﻟﻌﺎم 2012! اﻷﻣﺮ اﻟﺬي زاد ﻣﻦ ﻗﻠﻖ وﺧﻮف ﻛﺜﯿﺮ ﻣﻦ اﻟﻨﺎس؛ ﻓﻠﻢ ﻳﻌﺪ اﻟﻤﻨﺰل واﻟﺸﺎرع واﻟﺠﺎﻣﻌﺔ أﻣﺎﻛﻦ آﻣﻨﺔ ﺑﺎﻟﻨﺴﺒﺔ ﻟﮫﻢ وﻷﺑﻨﺎﺋﮫﻢ.واﻻﻋﺘﺪاءات اﻟﻤﺴﻠﺤﺔ ﻋﻠﻰ ﻣﺮﻛﺒﺎت اﻟﻨﻘﻞ اﻟﺴﯿﺎﺣﻲ، و”ﻣﺬاﺑﺢ اﻟﻌﺼﺎﺑﺎت” اﻟﺘﻲ ﺗﻘﻊ ﺑﯿﻦ ﺣﯿﻦ وآﺧﺮ وﺗﺼﻌﻖ اﻟﻤﺠﺘﻤﻊ اﻷردﻧﻲ، ﻛﻠﮫﺎ ﺗﻌﺮّي ﻧﻈﺮﻳﺔ اﻷﻣﻦ واﻷﻣﺎن.
أﻳﻀﺎً، ﺣﺎﻻت اﻻﻧﺘﺤﺎر وﺗﺰاﻳﺪ ﻋﺪدھﺎ إﻧﻤﺎ ﺗﺮﺗﺒﻂ ﺑﺸﻜﻞ وﺛﯿﻖ ﺑﻤﺪى رﺳﻮخ ﻛﻞ ﻣﻦ اﻷﻣﻦ اﻻﻗﺘﺼﺎدي واﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻲ. ﻓﺒﻠﻮغ اﻟﻤﺮء درﺟﺔ ﻗﺘﻞ ﻧﻔﺴﻪ، إﻧﻤﺎ ﻳﻌﻜﺲ ﺣﺎﻟﺔ ﻣﻦ اﻹﺣﺒﺎط وﻓﻘﺪان اﻷﻣﻞ، ﻛﻮﻧﻪ ﻏﯿﺮ ﻣﻄﻤﺌﻦ ﻋﻠﻰ ﺣﺎﺿﺮه وﻣﺴﺘﻘﺒﻠﻪ.
ﺛﻤﺔ ﻣﺆﺷﺮات ﻛﺜﯿﺮة ﻳﻤﻜﻦ أن ﺗُﻘﺪم ﻟﻠﺮد ﻋﻠﻰ ﻧﻈﺮﻳﺔ اﻷﻣﻦ واﻷﻣﺎن اﻟﺮﺳﻤﯿﺔ. واﻻﻋﺘﺮاف ﺑﺘﺮاﺟﻊ اﻷﻣﻦ اﻻﻗﺘﺼﺎدي واﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻲ ﺿﺮورة، أﻣﺎ اﻟﻨﻜﺮان واﻟﺘﻌﺎﻟﻲ ﻓﻠﻦ ﻳﺤﻼ ﻣﺸﻜﻠﺔ، ﺑﻞ ﺳﯿﻌﻤﻘﺎﻧﮫﺎ إﻟﻰ ﺣﺪود ﺧﻄﯿﺮة. ﺻﺤﯿﺢ أن أﻛﺜﺮ ﻣﻦ 3000 ﻣﺴﯿﺮة واﻋﺘﺼﺎم ﻟﻢ ﺗﺴﻞ ﻓﯿﮫﺎ ﻧﻘﻄﺔ دم واﺣﺪة، وھﻮ اﻷﻣﺮ اﻟﺬي ﻳُﺤﺴﺐ وﻳُﻘﺪر، ﻛﻮﻧﻪ ﺟﻨّﺐ اﻟﺒﻠﺪ ﺳﯿﻨﺎرﻳﻮھﺎت ﻻ ﻳﺤﺘﻤﻠﮫﺎ أﺻﻼ؛ ﻟﻜﻦ ﻛﻢ ﻣﻦ اﻟﺪﻣﺎء ﺳﺎﻟﺖ ﻋﻠﻰ ﻣﺬﺑﺤﻲ ﻏﯿﺎب اﻷﻣﻦ اﻻﻗﺘﺼﺎدي واﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻲ، ﻻ ﺳﯿﻤﺎ اﻟﻌﻨﻒ اﻟﻤﺠﺘﻤﻌﻲ واﻟﺠﺎﻣﻌﻲ، وﺣﺘﻰ اﻟﻤﺪرﺳﻲ؟!
اﻷﻣﻦ اﻟﺸﺎﻣﻞ ﻣﻨﻈﻮﻣﺔ ﻻ ﺗﺘﺠﺰأ. وﻓﻲ ﺑﻠﺪ ﻣﺘﺴﺎﻣﺢ وﻣﺘﻌﺪد ﻣﺜﻞ اﻷردن، ﻳﺒﺪو إﻏﻔﺎل ﺣﻠﻘﺎت اﻷﻣﻦ اﻷﺧﺮى ﺗﺴﻄﯿﺤﺎ وﺗﺒﺴﯿﻄﺎ ﻟﻸزﻣﺔ اﻟﻘﺎﺋﻤﺔ.
اﻷوﻟﻰ وﺿﻊ اﻟﯿﺪ ﻋﻠﻰ اﻟﺠﺮح ﻟﻤﻌﺎﻟﺠﺘﻪ، ﻻ ﻹﺧﻔﺎﺋﻪ؛ ﻓﺎﻻﻋﺘﺮاف ﺑﺎﻟﻤﺸﻜﻠﺔ ھﻮ ﻧﺼﻒ اﻟﺤﻞ. أﻣﺎ ﻣﻮاﺻﻠﺔ اﻟﺘﻐﻨﻲ ﺑﺎﻷﻣﻦ واﻷﻣﺎن، ﻓﯿﻤﺎ اﻟﻤﺠﺘﻤﻊ ﻳﻔﺘﻘﺪ اﻟﺸﻌﻮر ﺑﮫﻤﺎ، ﻓﻠﯿﺲ ذﻟﻚ إﻻ ﻗﻤﺔ اﻟﺴﺬاﺟﺔ.
الغد