تابعت الزيارة الملكية للصين في 30/ 10/ 2007 وكتبت عنوان «اطلبوا الاستثمار ولو في الصين» كما تابعت التي قبلها وكتبت تحت عنوان «الملك في تسونغوا» في 14/ 12/ 2005 وقد وصفت مشاهد الزيارة آنذاك..وها هو الملك يعاود زيارة الصين مرة اخرى ويبني على تلك في بناء بدأه الراحل الكبير الملك الحسين في ذلك الحين..حين كانت الزيارة عام 2007 لم يكن الربيع العربي ولم تكن الأزمة السورية ولم تكن حتى الأزمة المالية الاقتصادية التي ضربت العالم وخاصة منطقتنا ليتفجر العنف ويزداد التطرف وتغيب الحلول..
الملك في الصين يقرأ في عيون قادتها وفي كلامهم الطيب عن الأردن حكمة كونفوشيوس وعمق الحضارة التي أبقت لغة يمتد عمرها على ثلاثة آلاف سنة مفهومة ومقروءة ويجري التمثيل بها على المسرح..فالأطفال الصينيون ينصتون إلى مسرحية «عودة الامبراطور» وهي مسرحية تتحدث عن هزيمة أحد الأباطرة ويستطيع الأطفال أن يفهموا تلك اللغة التي دارت قبل ثلاثة آلاف سنة فقد حضرت المسرحية ورأيت حجم التفاعل الكبير معها..
الصين أمة عظيمة والزيارة الملكية الان 15/ 9/ 2013 تغطى باحترافية اعلامية صينية فقد سبق زيارة الملك الى الصين أن قيّم المسؤول الثاني في السفارة الصينية في عمان (نيه كوان) الزيارة وتحدث لي عن جوانب هامة فيها..كما زارتني مراسلة التلفزيون الصيني «دو جوان» لمقابلة استمرت (40) دقيقة طرحت أسئلة عن الحياة السياسية الأردنية وعن الاخوان المسلمين وعن البرلمان وعن الاقتصاد والتنمية وعن الأزمة السورية والموقف الأردني منها وعن دور جلالة الملك تحديداً وحتى عن القضية الفلسطينية والمحادثات المتجددة حولها وعن الدور الأردني في عودتها..ومن المراسلة النشطة «دو جوان» التي أجرت المقابلة عرفت برنامج الزيارة وأهمية أن يغطي الاعلام الصيني الحالة الأردنية قبل الزيارة بأسبوع وها هو الاعلام الصيني يقدم جلالة الملك في مقابلة هي الأهم في رايي على الاطلاق حيث قدمته وكالة الأنباء الصينية «تشينخوا» في مقابلة طويلة لفت انتباهي فيها كلام الملك عن الأحزاب والقوى السياسية الأردنية وقوله بضرورة الانفتاح عليها وتمكينها والأهم رفض الملك للاقصاء السياسي ورغبته انخراط كل القوى بما في ذلك الاخوان المسلمون في العملية السياسية وقد أجاب بوضوح على سؤال حول هذا الموضوع حيث انتبه الاعلام الأردني بالاجابة وأفرد استطلاعاً لراي النخب الأردنية حول هذه المسألة نشرته الرأي الثلاثاء 17/ 9/ 2013.
الصين مهتمة بقضايا الشرق الأوسط وفيه حبلها السري للتزود بالطاقة كما فيه مصالح عديدة لها تجعلها تؤسس لموقف سياسي هو أقرب إلى الموقف الروسي ولذا فإن الزيارة الملكية تضمنت حديثاً هاماً من جانب الملك عن الأزمة السورية فقد نهض الملك بدور كبير لم يلمسه الكثيرون بعد ولم تتحدث عنه بما يكفي وسائل الاعلام الأردنية في زيارته الناجحة للفاتيكان وتحريكه لحبر وقائد الكنيسة الكاثوليكية قداسة البابا وحكومة الفاتيكان لتبذل ما لها من منزلة روحية وحتى سياسية لدى الدوائر الاميركية وعبر العالم للوقوف الى جانب الشعب السوري ولذا جاء قرع اجراس مئات آلاف الكنائس عبر أميركا في شمالها وجنوبها استجابة لاقتراح ملكي حيث ترددت الصلوات والدعاء من أجل الشعب السوري وسلامته..وهي المهمة التي حملها ايضاً الملك وهو يتحدث مع القيادة الصينية ويبصرها بالموقف الحقيقي في الأزمة السورية..
الملك في الصين يقرع ابواباً جديدة يقف خلفها اقتصاد واسع وعميق واستثمارات كبيرة تتجدد الان في غرب الصين وفي المناطق الصينية التنموية الجديدة التي زارها الملك واعجب بتطورها (جينتشاو) ومشاركة المستثمرين الاجانب وخاصة الغربيين، فلم يعد الصينيون مغلقين أو متحفظين على الاستثمارات الغربية وأصبحوا أكثر الأسواق العالمية الان جذباً لها ابتداء من أغاني جاكسون التي كانوا يمنعونها وانتهاء بأي عروض فنية يرغب الغرب في اقامتها حتى في ساحة الشعب في بكين طالما أن في ذلك دولارات أو عملات صعبة تدفع بالاقتصاد الصيني الهائل الذي لم يتراجع النمو فيه عن 8% وكان قد وصل الى 13% حيث تصدر الصين الارز وهذا من العجائب في لغة الاقتصاد اذا ما أدركنا أن هذا النمو الاسيوي ما زال يتخطى كل أشكال العقبات ويبني اقتصاداً فريداً..
الصينيون الان بدأوا ثورتهم الحقيقية الاقتصادية والتي تلغي آثار الثورة الثقافية المدمرة التي أقامها ماوسي تونغ والتي لم تعد تصلح الان في زمن الانفتاح واصبح الصيني يستهلك البيض والحليب واذا ما وصلت الثورة الى المكننة الزراعية وأعادت انتاج الزراعة عالمياً وعندها سيختلف الحديث عن خارطة القوى العالمية وعن مجلس الأمن وعن الشرق والغرب..
الزيارة الملكية ناجحة بكل المعايير لم نقرأ فيها الصين فقط بل قرأنا الأردن في المقابلة الملكية وكأننا أمام مقولة «اذا اردت أن تعرف ماذا في الأردن فعليك أن تعرف ماذا في الصين» فقد تحدث الملك بوضوح لم يسبقه اليه أحد.
alhattabsultan@gmail.com
سلطان الحطاب/الملك في الصين.. قراءة جديدة للتحالفات الدولية
20
المقالة السابقة