حطمت الثورة السورية كل الأرقام القياسية العربية والعالمية في عالم الثورات، فلأول مرة يخوض شعب معركة ضد نظام يحكمه بدون حلفاء فعليين، لأن ما يسمى “اصدقاء سوريا” ليسوا سوى كائنات وهمية و”أصدقاء” على الورق فقط، ولأول مرة يجد شعب أعزل نفسه في مواجهة نظام همجي ارهابي دموي مطلق اليد يمارس اعمال القتل والإبادة والمذابح بهذه الصورة الشيطانية دون تحرك فعلي من أحد لنصرته، ولأول مرة يرتكب نظام حاكم أكثر من 400 مجزرة ذهب ضحيتها اكثر من 120 ألف شخص دون ان ينتفض العالم لمساعدته، ولأول مرة في التاريخ يجتمع “الأعداء المفترضون لبعضهم البعض” مثل ايران واسرائيل وامريكا وروسيا وبريطانيا وفرنسا والصين على عدم الرغبة بعدم سقط نظام الأسد.
لأول مرة في التاريخ العربي يستخدم نظام الأسلحة الكيماوية ضد المواطنين المدنيين الابرياء 28 مرة دون ان يعاقب، ولأول مرة يقتل الاطفال والنساء والشيوخ والرجال بغاز السارين دون أن يطالب العالم بإزالة النظام الذي ارتكب هذه الجريمة البشعة التي شاهدت البشرية صورها على كل التلفزيونات في اصقاع الأرض، ولأول مرة في التاريخ يكون لدى الشعب معارضة سياسية مهترئة ولا تدافع عنه كما يدافع الرجال، ولأول مرة في التاريخ يستجدي الثوار السوريون السلاح والذخيرة لكي يدافعوا عن الشعب السوري، ولأول مرة في التاريخ تعمل دول عربية وغربية واقليمية على تحويل العمل الثوري السوري الى “دكاكين ثورية”، ولأول مرة تجتمع الاضداد ضد الشعب السوري وثورته، ولأول مرة تعود روسيا لاعبا عالميا بعد تفكك الاتحاد السوفيتي عام 1979 وتعيد رسم نفسها قوة عالمية قادرة على فرض ادارتها عبر البوابة السورية، ولأول مرة في التاريخ العربي يدخل تنظيم من دولة مجاورة لدعم ومساندة نظام يحكم دولة، فمليشيا حزب الله تقاتل إلى جانب جيش الأسد وقواته وشبيحته ومليشيا الدفاع العلوية، ولأول مرة في التاريخ كله يهدد من “يعادي” نظام الأسد المقاتلين الذين يعملون ضد “العدو المفترض” فالكتائب والاولوية الإسلامية اخطر بالنسبة للغرب والانظمة العربية من نظام الأسد، وجبهة النصرة هي “البعبع” وعنوان الخطر الداهم الذي يجب التخلص منه قبل التخلص من الأسد.
ولأول مرة في التاريخ يعمل “اللوبي اليهودي واللوبي الإيراني واللوبي الممول من أنظمة عربية في امريكا وغير أمريكا” على منع الادارة الأمريكية والبريطانية على توجيه ضرب عسكرية لنظام الأسد، كيف اجتمع كل هؤلاء معا؟ كيف تحالفوا ضد الشعب السوري؟ كيف تناسوا خلافاتهم من اجل منع سقوط نظام الأسد؟ كيف تحولت وزارة الخارجية الروسية إلى وزارة خارجية نظام الأسد للدفاع عنه في كل المحافل الدولية؟ كيف استخدمت روسيا والصين الفيتو المزدوج في مجلس الامن لإحباط اي قرار ضد نظام الأسد الارهابي المجرم؟
كل هذا يحصل لأول مرة في التاريخ العربي “بهذه الكثافة” حيث يمارس نظام حاكم هواية القتل اليومي ضد “شعب يحكمه” ويمعن في الاجرام وسفك الدم وتدمير سوريا جهارا نهارا فيما يمارس العالم هواية “التحليل السياسي” والتنظير الأجوف عديم القيمة.
عندما يستخدم نظام الأسد المجرم الهمجي الغازات السامة والأسلحة الكيماوية لقتل الاطفال في احضان امهاتهم وتحويلهم إلى “اكوام لحم”، وعندما يغتال الطفولة والبراءة والأمومة والانسانية، عندما يغتال الضمير والاخلاق يقف العالم متفرجا على ما يجري وكان لا شيء يحدث وكان هؤلاء الاطفال ليسوا بشرا ولا يستحقون ان يسأل العالم عنهم: باي ذنب قتلوا؟ ..عندما يفعل الأسد وزبانيته وعصابه كل ذلك تتحول المجزرة إلى “قضية” للبحث والتمحيص والصفقات والمساومات ويكون الثمن ان يسلم الإرهابي الباطني اسلحته الكيماوية مقابل الحفاظ على بقاء نظامه في الحكم، ويبادر هذا النظام المجرم إلى تسليم كل شيء مقابل البقاء..
أي صفقة ضيزى هذه، وأي قسمة معتلة وأي ظلم وانتهاك لوعي البشر وحقوقهم، واي درك وصلت اليه البشرية كلها عندما يقايض نظام ارهابي مجرم “تسليم اداة الجريمة مقابل الافلات من العقاب” بل والاستمرار في ممارسة القتل وازهاق الأرواح وكأن شيئا لم يحدث ثم يأتي جون كيري وزير خارجية باراك اوباما ليعلن ان الحل الوحيد المتاح مع الأسد هو “الحل السياسي” بعد ان يسلم الأسد كل اسلحته الكيماوية في حدث فريد غير مسبوق في التاريخ لضمان تأمين الكيان الاسرائيلي خشية وقوعها في “الأيدي الخطأ” غير المناسبة، وتتحول المجزرة إلى مؤتمرات ومفاوضات وصفقات و “جنيف 1″ و”جنيف 2”.
وحده الجيش الحر.. وحدهم المقاتلون على الارض ..وحدهم الثوار اعلنوا رفضهم للصفقات والمؤامرات والمؤتمرات والطبخة “الروسية الامريكية” لإنقاذ نظام الأسد واسرائيل معا، وحدهم صرخوا بالرفض، واعلنوا أن المشكلة ليست الاسلحة الكيماوية فقط بل وجود نظام الأسد الارهابي، وان الحل غير ممكن الا بسقوط هذا النظام وانهم سيواصلون القتال لإسقاطه وتخليص سوريا من شروره، وللأسف فان الجيش الحر سوف يعاقب على هذا الموقف اذا اصر عليه، لأن “رواتب ” الثوار لن تدفع والاسلحة لن تصل والغذاء سيقطع وسيضغط على تركيا لسد المنافذ على “الثوار العصاة” والرافضين في “قن” المفاوضات.. وهي ضغوط سيشارك فيها عرب وعجم .. لا مجال للحل العسكري و”الحل سياسي” كما اعلن العراب الأمريكي جون كيري. وسيضطر الثوار في سوريا عندها لمقاتلة الاعداء والاصدقاء “المفترضين” ..
يا لها من ملحمة ومعجزة هذه الثورة السورية، يا لها من كاشفة فاضحة، فضحت كل المستور واسقطت كل الاقنعة واسفرت الوجوه الكالحة.. انها ملحمة ستنتصر بإذن الله مهما حاول الاعداء “والاصدقاء الاعداء” لوأدها، لأن هذه الثورة ولدت لكي تنتصر، ولان الشعوب لا تهزم، ولان ارض الشام لا تعرف الكلل والملل، ولان الشعب السوري هو شعب الابطال المغاوير الذي قال فيهم علي بن ابي طالب كرم الله وجه ” وودت لو أن لي أهل الشام” فرجالها رجال.. وهم صناع الانتصار والملحمة مهما كانت التضحيات، وحتى لو تكالبت عليهم الأمم كما تتكالب الأكلة إلى قصعتها.