ينبغي أن تتحمل الحكومة مسؤوليتها في حماية المجتمع الأردني من كل مظاهر الانقسام، وأن تعمل على الحد من خطاب الكراهية الذي تمارسه بعض الأطراف، والذي يفتك بالوحدة الوطنية ويعمل على إضعاف الأواصر الاجتماعية، ويعمل على تغذية الأحقاد التاريخية، ويؤدي الى رفع منسوب التوتر عن طريق التحريض المستمر، الذي يتغذى على النفخ في الخلافات السياسية، والمبالغة في التشويه والشيطنة للطرف المخالف، وتأجيج الخصومة بطريقة غير مسؤولة.
الحكومة تتحمل مسؤولية حماية المجتمع كله بكل مكوناته واتجاهاته، وينبغي أن لا يقتصر دورها على حماية الطرف الرسمي، وتغض النظر عن الاساءة المتعمدة للاطراف الأخرى، خاصة إذا كان مصدر الإساءة محسوب على الحكومة، أو أنه يتغذى على المال العام، أو أنها تتلقى التوجيهات من الحكومة وأجهزتها …
ليس معقولا أن تصل درجة الجرأة في تشويه المخالف الى هذا الحد غير المسبوق، وخاصة في هذه المرحلة التي أعقبت الانقلاب العسكري في مصر، الذي فتح الباب على مصراعيه أمام التشفي بالقتل والدم المسفوح، من مجموعة لا ترقب في مؤمن إلاّ ولا ذمة.
من أين تسلل الوهم الى المحسوبين على الجانب الرسمي بامتلاك الشرعية الكاملة التي تؤهلهم لاطلاق الاتهامات واصدار الأحكام المرعبة على المخالف، ومن أي خرق يتسلل هذا الوهم لأولئك الذين يتسنمّون مواقع المسؤولية في المنابر الاعلامية العامة التي تستمد موازنتها من الضرائب التي يدفعها المواطنون، ويقتضونها من قوتهم وقوت عيالهم.
المنابر الاعلامية العامة من تلفزيون وإذاعة أو صحف ومواقع، ليست ملكاً للحكومة، وليس ملكاً لطرف سياسي دون طرف آخر، وليست عزبة خاصة لأصحاب القرار أو أي طرف رسمي، فلا يجوز إطلاقاً أن تكون بوقاً اعلامياً خاصاً لتلميع طرف سياسي، وترويج رأيها، وفي المقابل تمارس تشويه الطرف المقابل أو الرأي المخالف، وينبغي على كل الوسائل الاعلامية العامة أن تتصرف وهي تعلم تماماً أنها ملك الشعب، وتعلم علم اليقين أن كل مواطن يمتلك فيها سهماً، فينبغي أن تكون على يقين ان كل ما تعرضه من مواد وتحليلات وأراء سياسية واعلامية، أنها تصب في صيانة المجتمع وحمايته وحفظه من الفتن التي تهدم أركان المجتمع وتوهن قوائم الدولة.
إن المبالغة في التشويه وكيل الاتهامات يسيىء الى الدولة ولا يحسن اليها، ويتسبب في الحاق الضرر بالحكومة ولا يفيدها، لأن العقل والمنطق يقول بأن وحدة المجتمع وتقوية أواصر التعاون بين الحكومة والفئات السياسية والاجتماعية؛ هو الذي يحمي الحكومة ويحقق مصلحة أصحاب القرار اولا،وحماية المصلحة المجتمعية العامة ثانيا، لأنها أدعى الى تحقيق الاستقرار وحفظ الأمن العام.
ما يحدث في المحيط العربي ودول الجوار، ينبغي أن يمثل درساً وعبرة للحكومة قبل أن يمثل درساً للأطراف السياسية الاخرى، وما يطلق عليها أطياف المعارضة، لأن الحكومة تتحمل المسؤولية عن كل ما يجري، وتتحمل المسؤولية في ضمان عدم جر الدولة والمجتمع الى استنساخ تجربة الانقسام والاقتتال الداخلي، وهي قادرة إن شاءت على جمع الأطراف كلها على رؤية واحدة منبثقة من حماية الأردن وحفظ المجتمع الأردني من شبح الانقسام.
كل الأطراف معنية بإنجاز ميثاق وطني إعلامي، أو التوقيع على وثيقة شرف اعلامية، ترتقي بالاداء الاعلامي لكل العاملين في الحقل الاعلامي الى مستوى المسؤولية الوطنية العليا، التي تحترم منظومة القيم العربية الاسلامية الأصيلة؛ التي تقدس صدق الكلمة وشرف الخصومة، وتنفر من الكذب والدجل وتزوير الحقيقة، وتعمل على اشاعة خطاب الوحدة الاجتماعية، وتمتين الروابط السياسية، وتعظيم مساحات التوافق، وتقليل حدة الخلاف، والتوقف الفوري عن خطاب التحريض والكراهية.
يقول تعالى: «أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ ، تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ ، وَمَثَلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ اجْتُثَّتْ مِنْ فَوْقِ الْأَرْضِ مَا لَهَا مِنْ قَرَارٍ».
أنصح وزير الدولة لشؤون الاعلام المسارعة في انجاز ميثاق الشرف الاعلامي، بالتعاون مع كل المخلصين في هذا المجال، من اجل الاسهام في حماية الأردن ومستقبل الكلمة فيها، بطريقة تعاونية جماعية مشتركة.
د.رحيل غرايبة/الحكومة ومسؤولية حماية المجتمع
23
المقالة السابقة