كتبت وتحدثت عبر وسائل الإعلام العربية أن الولايات المتحدة وأوروبا كلها شرقها وغربها عيونهم على هذه المنطقة من العالم “منطقة الشرق الأوسط” يريدونها حقولا نفطية وحقول غاز فقد لتمد مصانع الغرب شرقا وغربا بالطاقة بأرخص الأثمان. يريدونها سوبر ماركت كبير لتسويق منتجاتهم الاستهلاكية والعسكرية ويمنعون عنا أن نكون دول منتجة لمأكلنا وكسوتنا وتصنيع أسلحتنا. إنهم وقفوا بطرق متعددة ضد الاستثمار العربي في الزراعة في السودان وإنتاج اللحوم والدواجن والألبان، وكذلك أماكن أخرى من عالمنا العربي، إنهم وقفوا ضد تطور صناعة النسيج في مصر عن طريق التراجع في زراعة القطن المصري الممتاز وكذلك دول عربية أخرى عن طريق حجب الاستثمارات في هذه القطاعات عن طريق التخويف بأنه لا أمان للاستثمارات في هذا الدول. منعونا من إنتاج سلاحنا وعندما أرادت مصر عبدالناصر رحمه الله أن تدخل في معراج صناعة السلاح المتطور قاموا بإرهاب واغتيال العلماء المصريين وحلفائهم من الألمان عن طريق الرسائل المفخخة في حقبة الستينيات، وعندما قام العراق صدام حسين رحمه الله بمحاولة الدخول في معراج التسلح دمروا مفاعل بغداد مطلع ثمانينيات القرن الماضي وأجهزوا على العراق الحر باحتلاله وتدمير جميع منشآته الصناعية، بل وتدمير الجيش وتدمير الروح المعنوية العالية عند الشعب العراقي في مطلع القرن الحالي.
(2)
قلت فيما مضى إن أوروبا شرقها وغربها ومعهم أمريكا يرسون سوابق في التعامل مع هذه المنطقة المهمة من العالم عن طريق استخدام القوة، فإذا لم يجدوا ردات فعل من الشعوب والحكومات على ما يفعلون فسرعان ما ينتقلون إلى منطقة أخرى في محيط الجغرافيا العربية.
النموذج الأول العراق منذ مطلع تسعينيات القرن الماضي وهو يتعرض لهجوم شرس إعلاميا واقتصاديا وعسكريا وانتهى باحتلاله وتدمير مؤسساته ومع الأسف كانت اليد العربية مساعدة لكل قوى الشر التي أحاطت بالعراق وأوصلته إلى أن يكون دولة محتلة.
النموذج الثاني سورية الحبيبة أنهم بصمتنا العربي عن ما حل بالعراق يمارسون نفس الدور، إنهم ليسوا راغبين في إسقاط النظام القائم في دمشق الدكتاتوري المتخلف الأبعد إضعاف الجيش العربي السوري وتدمير قواته ومعنوياته واستنزاف قدرات الشعب السوري والقضاء على الإنتاج الزراعي والصناعي والوحدة الوطنية، كل ذلك بفعل تعنت النظام القائم في دمشق وعدم الاستجابة لمطالب الشعب السوري العظيم الذي تصدى لكل غزوات الصليبيين والتتار دفاعا عن العروبة إنهم في طريقهم إلى تدمير الجيش العربي السوري وحتى لا تقوم له قائمة في الأجل المنظور.
النموذج الثالث اليمن وما يتعرض له تحت أسماعنا وأبصارنا نحن العرب، إنهم حافظوا على نظام فاسد لأكثر من ثلاثين عاما أفسد الذمم وأفقر اليمن وحطم مفهوم الدولة وعندما أدركوا أنه انتهت صلاحيته، انتهى بهم المطاف إلى إسقاطه وتدمير اليمن جيشا وموارد وتفتيته (شمال، جنوب، حوثيين، حراك… الخ) وأخيرا سلطوا عليه حربا جوية بطائرات من دون طيار تلاحق كل من لا تريده تلك القوى العابثة بأمتنا العربية، طائرات أجنبية من دون طيار قواعدها في دول عربية تقتل اليمنيين تحت ذريعة محاربة القاعدة، والحق أنها ترسي سوابق لاستخدام هذه الطائرات من دون طيار لتلحق الدمار بكل من يعترض على السياسات الأمريكية والغربية في هذه المنطقة من العالم سواء كانت أنظمة حاكمة أو منظمات سياسية تطالب بالحرية والعدالة.
(3)
اليوم جاء الدور على أكبر وأقوى جيش عربي له تقاليده وقيمة إنه جيش الدولة المصرية، وليس جيش حزب أو طائفة يسعون لتدميره من داخله. تردد أهم الصحافة الأمريكية أخبارا مفادها أن أحداث ثورة 25 يناير وما تلاها من تطورات وحتى 30 يونيو الماضي لم تكن غائبة عن صناع القرار في واشنطن، وأن هناك علاقة خاصة بين قادة القوات المسلحة المصرية ووزارة الدفاع الأمريكية، ويؤكد مسؤول أمريكي كبير القول بأن “أهم حليف لهم في مصر هو الجيش المصري” (الشرق 10-8) معنى ذلك أن الدولة المصرية لم تعد صاحبة السيادة وإنما الجيش وهذا أول إسفين يدق في نعش الجيش المصري.
الأمر الثاني: أن مصر حسني مبارك قدمت لأمريكا تسهيلات عسكرية لضرب العراق ومن قبله أفغانستان ويشير التقرير المرفوع إلى الكونغرس الأمريكي إلى أنه تم القيام بـ 36553 طلعة جوية عسكرية لضرب العراق، كما منحت إذنا بصفة عاجلة استثنائية لمرور 861 بارجة حربية أمريكية بعبور قناة السويس وكذلك بمرور غواصات أمريكية تحمل رؤوسا نووية لتكون قريبة من العراق، وأن المعونة الأمريكية 1.3 مليار دولار تذهب كلها للجيش دون سواه لتنمية مشاريعه ويكون ضمن دائرة المصالح الأمريكية. وتؤكد مجلة أتلانتك الأمريكية مبدأ في السياسة الأمريكية “المساعدات مقابل النفوذ”.
(4)
في الأحداث التي سبقت ولحقت أحداث 30 يوليو الماضي يؤكد الفريق السيسي الذي أطاح بالرئيس المنتخب محمد مرسي في تصريح له في جريدة الواشنطن بوست في 3-8 الجاري أن الولايات المتحدة الأمريكية لم تكن بعيدة عن ما يحدث في مصر وأنه وضع الإدارة الأمريكية في صورة ما يجري في القاهرة وأنه طالب الإدارة الأمريكية بتأييده ومناصرته وتقديم المشورة، وكانت النتيجة إسقاط الرئيس محمد مرسي وتنصيب رئيس جديد لمصر بصفة مؤقتة.
النتيجة: يتضح أن الإدارة الأمريكية شجعت السيسي للقيام بما قام به علما بأنها تعلم علم اليقين أن التيار الإسلامي “الإخوان المسلمين وحلفائهم” لن يقبلوا بما فعل الجنرال السيسي الأمر الذي سيقود إلى مواجهات بين المؤيدين لعزل الرئيس مرسي ومعارضيه سيتدخل الجيش لفض ذلك الاشتباك لكن الحقيقة أن الجيش أصبح طرفا في ذلك الإشكال. من هنا سيكون السيناريو السوري والمستهدف الجيش المصري للزج به في صراع مدن لن يخرج منها محافظا على تماسكه ووحدته لأنه أصبح جيشا مسيسا. وللخروج من هذا المأزق فلابد من وفاق وطني مصري يحفظ للجيش هيبته وكرامته وعلى القيادة العسكرية إعادة تقدير موقفها، والرجوع إلى الحق فضيلة، والتمادي في الباطل كارثة كبرى. جنب الله مصر العزيزة كوارث الساسة المصريين