المشهد المصري وقع ضحيّةً للقراءة غير الدقيقة وغير الصائبة من مختلف الأطراف ، ولكن الخطأ يتفاوت من حيث القدر ومن حيث الأثر ، ومن حيث القدرة على الإصلاح واستئناف المسير ، من طرف الى آخر .
التيار الإسلامي الذي دفعته الثورة الشعبية إلى واجهة إدارة الدولة، وجد نفسه في حقل ألغام ، واكتشف أن إعادة بناء الدولة يسير في طريق شديد الوعورة ، وتكتنفه صعوبات جمة ، كما وجد أن أدوات الدولة ومؤسساتها غير فاعلة وغير مطواعة ، إن لم تكن تعمل بمسار مناقض ، ولا تشعر بالولاء والانتماء الى الإدارة الجديدة.
فالمؤسسة القضائية بأغلب قياداتها العليا ، لم تكن على وئام تام مع حركة التغيير بخاصة المحكمة الدستورية التي شكلت مرتكزاً مهماً وخطيراً في تقويض عملية التغيير ، وإجهاض الثورة ، من خلال الاتكاء على قطعية قراراتها ، وعدم قابليتها للطعن .
أما المؤسسة العسكرية والأمنية فلم تكن أحسن حالاً من المؤسسة القضائية ، إذ أنها كانت تخضع لعملية تثقيف عميقة وواسعة ، وتتعرض لتعبئة مدروسة ضد الحركات الإسلامية التي كان ينظر إليها أنها العدو الأول ، وكانت المؤسسة تخضع لعمليات إحلال وتبديل مدروس في قياداته العليا ، تخضع لاستراتيجية مصلحة النظام المخلوع ، وهذا حال معظم الجيوش في العالم العربي والإسلامي ، إذ يتم النظر إليها أنها للزعيم والنظام الحاكم وليست للدولة والشعب ، ولذلك يكون عامل الولاء للسلطة الحاكمة متقدماً على عامل الكفاءة والقوة .
المؤسسة الإعلامية تشكل ثالثة الأثافي ، وتتحمل المسؤولية الكبرى في عملية تضليل الرأي العام ، والتلاعب بالوجدان الشعبي من خلال استراتيجيات التهويل والتهوين والتشويه ، وفبركة الأخبار الكاذبة واختلاق الحوادث ، والإسهام بإشاعة الفوضى والتخويف الموجه المدروس .
لن تستطيع أي قوة التمكن من إدارة الدولة ، دون حشد سلطات الدولة ومؤسساتها في منظومة واحدة متسقة ، عبر استراتيجية تكاملية موحدة تقوم على قيم التفاهم والتعاون المنبثق من رؤية واحدة ورسالة واحدة ، وتخضع لمرجعية وطنية عليا واحدة ، تبسط أثرها على التشريع والتنفيذ والقضاء والجيش والإعلام ، ومنظومة القيم الثقافية ، من أجل قيادة عملية البناء والنهوض بنجاح .
وبناءً على هذه القراءة ، ينبغي على التيار الإسلامي أن يعلم أن عملية التحول الكبير في مسار الدولة ، وعملية توحيد سلطات الدولة ومؤسساتها في نسق واحد ، يحتاج إلى استراتيجية مختلفة وطريقة إبداعية في لملمة الجهود ، واستيعاب الفرقاء ، بعيداً عن معارك الهوية والايدولوجيا ، والاختلاف السياسي ، والبرامج التفصيلية والمعالجات الجزئية .
شعاع / بقية
التيار العلماني المتحالف مع فلول النظام المنحل ، وقيادات الجيش والقضاء والأمن والإعلام ، أخطأوا في قراءة المشهد المصري خطأ فاحشاً وعميقاً ، إذ أنه أهمل التحولات العميقة التي أحدثتها الثورة في بنية الشعب المصري، فلم يستطع قراءة كمية الوعي الهائلة التي اكتسبتها الجماهير العربية خلال العامين المنصرمين ، التي ربما تعادل ما تم تحصيله عبر عشرات السنوات ، بالإضافة إلى تجاوز الأجيال الجديدة لحاجز الخوف والذل والخنوع ، الذي بنته أنظمة القهر والاستبداد خلال عقود مضت ، بالاعتماد على أساليب العنف والقوة المفرطة من جانب ، وعبر سياسات الاستخفاف والاستغفال التي مارستها أجهزة الإعلام والاتصال والتوجيه من جانب آخر ، كما أنه لم يقف على منسوب الحرية الكبير ، الذي شكل نقلة واسعة في نمط التعامل والتفاعل مع الأحداث السياسية.
هذا التحالف الحاكم الجديد لم يقف على حقيقة الدور الفاعل والكبير الذي تلعبه وسائل التواصل الجديدة المتطورة والمتاحة للشرائح الواسعة من الشعوب والجماهير بمختلف توجهاتها ، ولذلك لن تستطيع قوة إعلامية مهما أوتيت من إمكانات وقوة أن تحتكر الحقيقة ولن تستطيع إخفاءها كما كان يتم سابقاً في الأزمنة الغابرة .
ومن هنا بدأت الصورة بالانقلاب ، وبدأ المشهد بالتحول التدريجي في الواقع السياسي المصري ، فلم يعد أحد قادراً على إخفاء حقيقة الانقلاب العسكري مهما بذل من مال، ومهما تم من حشد إعلامي وسياسي على المستويات المحلية والإقليمية والعالمية ، فقد استطاعت الجماهير المصرية امتصاص الصدمة وبدأت تستفيق رويداً رويداً على حقيقة أن الذين انتخبهم الشعب رهن السجن والاعتقال ، وأن الذين استلمو الحكم والسلطة غير منتخبين.
انضمام جماهير (الالتراس) الى ميدان رابعة العدوية ، والانسحاب التدريجي الذي بدأت تمارسه السعودية وبعض الأطراف الدولية الأخرى التي تسرعت بالاندفاع المتعجل لتأييد الانقلاب ، يمثل انقلابا بالصورة لمصلحة الشرعية الدستورية بكل تأكيد.