هجم العزل من الفقراء المحاصرين في ريف دمشق على صوامع الطحين التي جرى عليها الاشتباك بين الجيش السوري والمقاومة،وقد احترق بعضها في حين جرى قصف المستودعات وحين كان الهجوم المتبادل بعد أن اقتحم الجيش الحر ومسلحو المعارضة الموقع يهدأ وقبل بدء الهجوم التعرضي للجيش السوري تدفق الاف من المواطنين السوريين ليحصلوا على الطحين الذي حرموا منه لأشهر طويلة.. كانت المجموعات الأكبر من المتدفقين هم من النساء والأطفال الذين غرف بعضهم طحينا بيديه او في جيوبه حين لم يقو على حمل أكياسه، وبعضهم استعمل ملابسه وسيلة لحمل الطحين .وفي اللحظات التي كان فيها هؤلاء يحملون حاجياتهم ويفرحون رغم الخطر لأن ايديهم وصلت الطحين وقد منّوا أنفسهم بالخبز الذي حرموا منه.. بدأت المدفعية والصواريخ تقصف وبعد ذلك غارات الطائرات فقتل حسب الوكالات التي نقلت الخبر والصور أكثر من (45) وجرح أكثر من (500) .
كان الطحين قد اختلط بالدم وأصبح لون العجين أحمر ..أياد امتدت لتسكن فوق الأكياس دون أن تقوى على الارتداد وأخرى انفصلت عن جثثها المتطايرة ونساء دخلن المخازن ليتحولن الى جثث وأطفال ارسلوا للفوز بشيء من العيش فلم يعودوا لأمهاتهم ..كانت مأساة لن يقوى أي فلم على تصوير مثلها.. وكان يوما من أيام الريف الدمشقي الدامي الذي سيسجل في تاريخ النظام الدموي .فهؤلاء الريفيون هم من حصد ودرس وطحن يموتون من أجل حفنة طحين ارادوا بها أن يعيشوا..
القتلى في كل الاحوال سوريون .فالنظام لا يقتل السوريين والمعارضة تقتل السوريين والمنظمات الوافدة الى سوريا اصولية وغير اصولية لا تميز بين عقيدة النظام وعقيدة المعارضة تقتل هي الاخرى السوريين.ويصل القتل ذروته وينتشر في كل سوريا كما السرطان ولا أحد يوقف ذلك ..
المعارضة ما زالت غير موحدة وغير مصنفة لجهة الانتماءات المختلفة وما زال بعضها يجري توجيهها والتحكم فيها والمعارضون السوريون الحقيقيون يقاومون بلا دعم كاف وبلا سلاح كاف في حين يجد المتطرفون اسلحة ويزداد اشتعالهم باضافة الهاربين من السجون العراقية من تنظيم القاعدة اليهم وهو الوقود الجديد الذي يخدم الخطط الامريكية في ابقاء الصراع في الشرق الأوسط مشتعلا ليبرر استمرار التدخل في العراق والعودة الى دعم حكومة المالكي التي يزعم ان قادة القاعدة الهاربين من سجونه يهددونها ويهددون المصالح الامريكية التي جرى التعبير عنها باغلاق أكثر من عشرين سفارة وقنصلية امريكية حول العالم وخاصة في منطقة الشرق الاوسط..
معركة الخبز «الطحين» أمس تعكس ذروة مأساة الحالة السورية .. فالسوريون تشرد ربعهم وقتل منهم حتى الان أكثر من ربع مليون ونزح الى اللجوء أو في بلاده أكثر من خمسة ملايين وزاد عدد الجرحى عن مليون ونصف .سوريا الآن في المطحنة. وفي الرحى. والإشارة المأساوية هي في معركة المطحنة بمعناها المباشر.فقد جرى تدمير قوت الفقراء وخبزهم وبيوتهم وريفهم وزراعتهم.. فهل لهذه الحرب المأساوية التي بعثها النظام من نهاية. وهل جرى غدر الشعب السوري وتركه وحيدا بعد تشجيعه بداية على مقاومة النظام الباطش والخروج عليه.. هذه هي الحرب القذرة التي تقتل الشعب السوري وهي ما وصفها زهير بن أبي سلمى في معلقته حين صورها أعمق تصوير بقوله ..يقصد الحرب في الشعب الواحد..أي الحرب الأهلية حين كان يتحدث عن اقتتال عبس وذيبان..
وَمَا الحَـرْبُ إِلاَّ مَا عَلِمْتُمْ وَذُقْتُـمُ
وَمَا هُـوَ عَنْهَا بِالحَـدِيثِ المُرَجَّـمِ
مَتَـى تَبْعَـثُوهَا تَبْعَـثُوهَا ذَمِيْمَـةً
وَتَضْـرَ إِذَا ضَرَّيْتُمُـوهَا فَتَضْـرَمِ
فَتَعْـرُكُكُمْ عَرْكَ الرَّحَى بِثِفَالِهَـا
وَتَلْقَـحْ كِشَـافاً ثُمَّ تُنْتَجْ فَتُتْئِـمِ
فَتُنْتِـجْ لَكُمْ غِلْمَانَ أَشْأَمَ كُلُّهُـمْ
كَأَحْمَـرِ عَادٍ ثُمَّ تُرْضِـعْ فَتَفْطِـمِ
فَتُغْـلِلْ لَكُمْ مَا لاَ تُغِـلُّ لأَهْلِهَـا
قُـرَىً بِالْعِـرَاقِ مِنْ قَفِيْزٍ وَدِرْهَـمِ
اذن هذه الحرب في سوريا كما وصف زهير بن أبي سلمى منذ العصر الجاهلي..
حين تطلق تكون قبيحة وتشتعل كالنار في الهشيم وهي كالرحى التي تطحن الحب حين تطحن البشر الذي يتساقطون على ثفالها سقوط القمح المطحون على الفراش تحت الرحى. وهي كالناقة التي يجري تلقيحها لتنجب التوائم على دليل الخصوبة وأطفال هذه الحرب غلمان معوقون.. ترضعهم وتفطمهم ليواصلوا الاقتتال مخضبين بالدماء .وغلالها اي الحرب الاهلية خصبة كخصب قرى العراق التي تنتج المحصول والدراهم.. متى تتوقف هذه الحرب وهل نجد من العرب من يسعى لوقفها كما دعا زهير بن ابي سلمى لوقف داحس والغبراء.
سلطان الحطاب/سوريا.. معركة الطحين
20
المقالة السابقة