فهمي هويدي / عقدة حماس في مصر

لا يصح وطنيا وقوميا وأخلاقيا أن تتحول حماس إلى عقدة في مصر الرسمية والشعبية.

1ــأدري أن الأجواء في مصر غير مهيأة وربما غير متحمسة لفتح ذلك الملف. فالبلد كله مشغول إلى حد الغرق في تفاعلات وتداعيات الداخل فضلا عن أن الأوضاع التي استجدت بعد 30 يونيو يبدو أنها أقل حماسا من سابقتها في التعاطي مع الملف لأسباب مفهومة. لكن المفاجأة التي حدثت في الأسبوع الماضي فرضت علينا استدعاءه على الطاولة، فضلا عن أن سياقات الأشهر الأخيرة أشارت بأصابع الاتهام إلى دور حماس في العديد من أحداث ما بعد الثورة.

المفاجأة التي أعنيها تمثلت في المؤتمر الصحفي الذي عقدته حركة حماس في غزة يوم 30 يوليو الماضي، وعرضت فيه كما من الوثائق الخطيرة التي تحدثت عن مساعي الإيقاع وتسميم الأحداث بينها وبين سلطات عربية. وقدمت أدلة دامغة على ضلوع جهاز المخابرات التابع للسلطة في رام الله في تلك المساعي، التي نشطت بقوة بعد ثورة 25 يناير، والغريب أن الإعلام المصري تجاهل تلك الوثائق ولم يأت لها على ذكر.

الوثائق ذاتها روت جانبا من قصتها وهي ما سجلته رسالة بتاريخ 2 يوليو موجهة إلى مدير مخابرات قطاع غزة العميد جمال حسونة من العقيد شعبان الغرباوي مدير مخابرات محافظة غزة.

ذكرت أن سلطات القطاع ألقت القبض على أحد عناصر المخابرات، اسمه محمد فضل أبورية، الذي قام بزيارة أهله في منتصف شهر يوليو، وصادرت جهاز «اللاب توب» الخاص به وقد فات الرجل أن يقوم بمسح التقارير الأمنية الموجودة عليه، وتوقع الضابط صاحب الرسالة أن تكون تلك التقارير قد وقعت في أيدي حماس وهو ما حدث.

فهمنا من الوثائق أن جهاز مخابرات السلطة لديه لجنة أمنية عليا لمتابعة الشأن المصري، وأن هذه اللجنة تتلقى التقارير التي تراقب الأوضاع الداخلية في الساحة المصرية وخصوصا شبه جزيرة سيناء على تركيز خاص على أنشطة الإخوان والسلفيين. كما أنها توجه مندوبيها في السفارة الفلسطينية بالقاهرة للترويج للأخبار التي من شأنها إلصاق التهم بحماس والكيد لها لدى السلطات المصرية. في هذا السياق عرضت وثيقة مرسلة في 17/7 من جهاز الأمن الوقائي في رام الله، وموجهة إلى السيد بشير أبوحطب الملحق الأمني للسفارة الفلسطينية بالقاهرة هذا نصها: نقترح أن تقوم اللجنة الإعلامية (بالسفارة) بالتركيز في هذه الفترة على صناعة وإبراز الأخبار التي تبرز بأن حماس هي من تقف خلف المسلحين الذين يقومون بقتل الجنود المصريين في سيناء، باعتبارها داعمة لنظام مرسي ومتضررة من ثورة 30 يونيو. وأقترح أيضا إعداد خبر إعلامي بعنوان «حماس تجهز لفتح جبهة مع إسرائيل في سيناء لجر الجيش المصري إلى التصعيد مع إسرائيل، وهو ما يمكن استغلاله في الضغط على حماس، برجاء موافاتنا برأيكم حول جدوى إعداد هذا الخبر ــ التوقيع: المقدم أحمد منصور دعمش.

بقية الوثائق تسير على ذات النهج، وللأسف فإن حيز المقال لا يحتمل التوسع في نشر تفاصيلها، إلا أنها تكشف بوضوح عن دور الأجهزة الأمنية الفلسطينية في تلفيق الأخبار وتسريبها إلى وسائل الإعلام المختلفة، لإيهام الجهات المختصة والرأي العام المصري بأن حماس وراء خطف وقتل الجنود المصريين في سيناء، كما أنها وراء حوادث القتل والتخريب التي تحدث في مصر. وأنها على تنسيق تام في ذلك مع الإخوان ورئاسة الدكتور مرسي، الذي قيل إنه أبدى استعدادا للتنازل عن سيناء لصالح حماس.

لست أدعو إلى الانطلاق من التسليم بصحة تلك الوثائق، ولكنني أدعو الجهات المعنية في مصر إلى التثبت من ذلك أولا والتحقيق فيما تضمنته من معلومات خطيرة، ثانيا، لأنه لو ثبت صحة تلك المعلومات فسوف نكتشف أن الرأي العام وأجهزة الدولة المصرية تعرضوا لعملية تضليل وغش كبرى ربما كانت الأكبر في تاريخها.

ـ2ــ بلا حصر القصص والأخبار التي أقحمت فيها حماس وأسهمت في تشويه صورتها وإثارة سخط شرائح واسعة من المصريين إزاءها. لكن أكثر تلك القصص أهمية وخطورة كانت تلك التي نسجت حول دور قيل إنها قامت به في اقتحام سجن وادي النطرون، بالتعاون مع عناصر من حزب الله وجماعة الإخوان، وهي القصة التي استعادها وثبتها في حيثيات حكمه قاضي محكمة استئناف جنح الإسماعيلية، الذي أمر النيابة بالتحقيق في الموضوع وأورد أسماء أكثر من عشرين شخصا اتهموا في العملية. كان من بينهم الدكتور محمد مرسي. وقد استخدم ذلك الحكم في توجيه الاتهام إلى رئيس الجمهورية السابق بالتخابر مع حركة حماس. وتم الاستناد إلى ذلك الادعاء في إصدار أمر بحبسه مدة 15 يوما.

يفترض أن القضية لا تزال رهن التحقيق، لكن المعلن رسميا حتى الآن أن حماس صارت في قلبها وأن دورها المفترض يمثل جوهر التهمة الموجهة إلى الرئيس السابق وإذا كان علينا أن ننتظر ما تسفر عنه التحقيقات أو التسويات يمكن أن تعالج القضية، إلا أن ثمة وجها آخر للمسألة لا يأتي أحد على ذكر له، رغم أهميته البالغة. ذلك أن الجميع يتجاهلون وهم يتحدثون في موضوع سجن وادي النطرون تقرير لجنة تقصي الحقائق التي تشكلت في عام 2011 بقرار من رئيس الوزراء الأسبق الدكتور عصام شرف، ورأسها المستشار عادل قورة رئيس محكمة النقض الأسبق، وضمت أربعة من كبار رجال القانون والدراسات الاجتماعية. واستعانت في مهمتها بفريق من الخبراء والمحققين. وهؤلاء أعدوا تقريرا من 400 صفحة حول أحداث العنف التي وقعت إبان ثورة 25 يناير، وكان بينها ما جرى في سجن وادي النطرون. وهذا التقرير قدم إلى الجهات المعنية فى19/4/2011.

التقرير الخطير نشرته صحيفة المصري اليوم في 19/4/2011 خلاصته التي أعدتها اللجنة القانونية، إلا أنه دفن بعد ذلك ولم يعد يذكره أحد. وأرجح أن دفنه كان متعمدا، لأنه لو أخذ به لأعيدت كتابة تاريخ المرحلة التي أعقبت الثورة من جديد. ذلك أنه يحمل الشرطة بصراحة ووضوح مسؤولية القتل والقنص وغيرها من الجرائم التي ارتكبت إبان الثورة. وإذا كان ذلك أخطر ما فيه، إلا أن الذي لا يقل أهمية وخطورة عن ذلك أنه لم يذكر أي دور لحركة حماس في موضوع سجن وادي النطرون، بل إنه شكك في رواية هجوم المسلحين على السجن. ونسب الرواية إلى بعض ضباط السجن الذين ذكروا أن تمردا حدث واكبه هجوم عدد من المسلحين الذين أطلقوا أعيرة نارية من مدافع جرينوف، وغيرها من الأسلحة النارية، وأن حراس السجن القائمين على الأبراج بادلوهم إطلاق النيران حتى نفدت ذخيرتهم. وعلقت اللجنة على ذلك قائلة إنه «بمعاينة سور السجن تبين عدم وجود أي آثار لطلقات نارية على السور أو الأبراج، مما يدل على عدم صحة ما قدره رجال الشرطة».

أين أخفي التقرير الذي أعده رجال القانون وشارك في إعداده فريق الخبراء، في حين جرى الاعتماد في قضية وادي النطرون على شهادات رجال الأجهزة الأمنية دون غيرهم؟ ولماذا أقحمت حركة حماس في العملية لاحقا؟ وهل لذلك علاقة بالتدبير الذي كان يعد لعزل الدكتور محمد مرسي؟ ــ ليس بوسعنا أن نجيب عن هذه الأسئلة وغيرها في الأجواء الراهنة، لكنها ستظل معلقة في الفضاء المصري، طول الوقت.

3ــلماذا تستهدف حماس وتصوب إليها سهام الاغتيال المسمومة؟ ــ إذا ما حاولنا الرد فسنجد أن حماس تعد كيانا معقدا تتقاطع فيه ثلاثة اعتبارات. فهي حركة فلسطينية وهي حركة مقاومة، ثم إن لها صلات تاريخية مع الإخوان، وهذه الاعتبارات التي تنطبق على حركة الجهاد الإسلامي الفلسطيني، التي تختلف مع حماس في الاجتهاد السياسي إلا أن ما يلتقيان فيه أكثر مما يختلفان عليه، فالذين يكرهون الفلسطينيين ينفرون من حماس. والرافضون للمقاومة يعادونها، والمخاصمون للإخوان يسحبون خصومتهم عليها. لكنني أزعم أن الشرعية الحقيقية لحماس مستمدة من كونها حركة مقاومة وطنية. صحيح أنها لم تحرر فلسطين ولا تمانع في تهدئة الأوضاع مع إسرائيل لموازنات وحسابات سياسية مؤقتة، إلا أن ما ينبغي أن يحسب لها أنها مازالت حريصة على أن تظل في خندق المقاومة، وأنها ترفض الاستسلام وتصر على الصمود في مواجهة العدو الإسرائيلي، كما أنها لم تتورط في عار التنسيق الأمني مع إسرائيل.

لا أنزه حماس عن الخطأ، وأتفهم ملاحظات الفصائل الأخرى على أسلوب إدارتها للقطاع، ولا أنكر أن من بين عناصرها جناحا من المتدينين المتشددين الذين لا يحسنون الظن بالآخرين، لكني أزعم أن تلك أمور داخلية يعالجها فلسطينيو غزة الذين هم أدرى بشعابها.

لقد نجحت حملة شيطنة حماس في مصر التي تبنتها المرحلتان الساداتية والمباركية. وأسهمت في ذلك عوامل عدة. حيث لا مفر من الاعتراف بأن المرحلتين المذكورتين ساعدتا على تقوية نفوذ «اللوبي» الإسرائيلي في أوساط الإعلاميين والمثقفين المصريين، ولا نستطيع أن نتجاهل دور أجهزة الأمن في ذلك، التي حرصت على توجيه أصابع الاتهام نحو حماس لتبرئة الشرطة من الجرائم التي ارتكبتها ضد ثوار يناير، ثم إن عملية الشيطنة تحاصر حماس وتضغط عليها وتسهم في تصفية حسابات سلطة رام الله معها. وقد كشفت الوثائق التي تم الكشف عنها عن الأساليب المتبعة في هذا الصدد.

4ــأذكِّر الجميع بما قاله يومًا ما إسحاق رابين رئيس الوزراء الأسبق من أنه يتمنى أن تختفي غزة من الوجود، وأن يستيقظ ذات صباح فلا يرى لها أثرا على الخريطة، وأنبه إلى أن الرجل لم تكن لديه مشكلة مع جغرافية القطاع، ولكنه كان مستفزا من صموده وبسالة المقاومة فيه، التي حولت غزة إلى شوكة في خاصرة إسرائيل وعقبة تفضح دعاة الاستسلام والانبطاح أمامها.

إن شيطنة حماس، والمقاومة بالتالي، تحقق حلم رابين وتصب في المصلحة المباشرة لإسرائيل. بقدر ما تظل خصما من رصيد مصر وأمنها القومي. ولا أفهم لماذا يتجاهل كثيرون أن القطاع الصامد والمقاوم في مصلحة أمن مصر، في حين أن خضوع القطاع لسلطان الذين ينسقون أمنيا مع إسرائيل يتعارض مع تلك المصلحة ويشكلون تهديدا حقيقيا لها. ثم إن إقامة علاقة إيجابية وناجحة مع سلطة القطاع يسهم في استتباب الأوضاع المنفلتة في سيناء.

إن جهاز المخابرات العامة المصري الذي يمسك بملف غزة يعرف جيدا أن حملة تشويه حماس مسكونة بالافتراءات والأكاذيب. وفي مقام سابق أشرت إلى ما سمعته من أحد مسؤولي الجهاز عن أن ما تنشره وسائل الإعلام عندنا بخصوص حماس أكثره «كلام جرايد»، لا ينبغي أن يؤخذ على محمل الجد. وإذا صح ذلك فمعناه أن حملة الشيطنة المستمرة في مصر تنتهك الاعتبارات الوطنية والقومية والأخلاقية وتوجه السهام المسمومة إلى مختلف القيم التي تفرضها تلك الاعتبارات. وأرجو ألا أذكرك بالمستفيد الحقيقي من وراء ذلك.

شاهد أيضاً

ما أحوجنا في هذا الوقت لأن نحتفل بكلّ عمّال هذا الوطن* معالي العين خولة العرموطي

عروبة الإخباري – ما أحوجنا في هذا الوقت لأن نحتفل بكلّ عمّال هذا الوطن.. نذكّرهم …

اترك تعليقاً