موقف الإسلاميين في مصر عموماً و «الإخوان» خصوصاً من وزير الدفاع عبدالفتاح السيسي معروف ومفهوم. فالرجل أطاح حكمهم في أكبر دول عربية، وأضاع أحلامهم في تحقيق مشروعهم بعد سنة واحدة لا أكثر. لكن مواقف القوى المدنية من الأحداث والأوضاع في مصر غير مفهومة، ليس فقط لأنها مرتبكة أو متضاربة وإنما أيضاً لأنها تثير الدهشة. إذ تقريباً تستطيع في النهاية أن تكتشف أن لا موقف لها، فكل فصيل مدني أو رمز مدني، ليبرالياً كان أو يسارياً ناصرياً أو قومياً، ستقرأ موقفه وتتبين أنه اتخذه بحسب مصلحته الشخصية، أو تلبية لإملاءات فصيله أو تياره، بغض النظر عن مصلحة الوطن! عموماً هناك سؤال: هل سيرتاح بعض رموز القوى المدنية المصرية بعد تصريحات السيسي لصحيفة «واشنطن بوست»، وتعهده عدم الترشح للانتخابات الرئاسية المقبلة؟
لا أعتقد، فالأمر لدى هؤلاء لا يتعلق بالمقعد الرئاسي الذي يرون أن واحداً منهم أحق به من أي عسكري، أو «إخواني» بالطبع، وإنما يطاول أي شخص قد يتحول بطلاً شعبياً أو زعيماً جماهيرياً من دون مقعد رئاسي، فهم يعتقدون أيضاً أن أي زعيم لا بد أن يكون من بينهم!
لا تسأل عن سلوك القوى المدنية المصرية وأفعالها، ولا تندهش من غياب تأثيرها في الشارع واكتفائها بالنضال الميكروفوني وكفاحها عبر الشاشات في برامج الفضائيات، فذلك كان دائماً سلوكها العاكس لعجزها عن المنافسة سواء كان المنافس حزباً أو جماعة إسلامية أو جهة حكومية أو شخصية عسكرية!
هم الذين ركبوا ثورة 25 يناير وفازوا بكعكتها فصاروا «مذيعين» في برامج وفضائيات، وبعضهم أعضاء في لجان ومنظمات محلية وإقليمية ودولية، أو خبراء في الشؤون السياسية من دون أي موهبة أو دراسة أو خبرات! هم أيضاً الذين عادوا ليحاولوا ركوب ثورة 30 يونيو ويخشون من أن تكون سبباً في تواريهم واختفائهم. صحيح أن بعض المحسوبين على القوى المدنية ناضلوا وعارضوا أنظمة الحكم عبر عقود ودخلوا وخرجوا من السجون والمعتقلات وكانوا رصيداً استندت إليه ثورة 25 يناير، لكن الكارثة تكمن في النخبة المصرية الجديدة التي قفزت على المشهد وحصدت الكعكة ولا تزال تأمل بالمزيد، تلك النخبة التي تحالفت مع الكل ضد الكل بحسب المصلحة الشخصية أو بحكم الجهل بقواعد السياسة أو إنكاراً للمصالح العليا للوطن! الذين ساندوا الإسلاميين ضد الجيش ثم انقلبوا عليهم، وأيدوا الجيش ثم انقلبوا على الاثنين، ثم عادوا ليهادنوا الإسلاميين، ثم أخيراً ادعوا أنهم مع الشعب رغم أن أفعالهم لا تصب إلا في مصلحة أنفسهم.
من الآخر وبكل وضوح ومن دون أي مواربة فإن بعض رموز القوى المدنية الذين سطع نجمهم مع ثورة 25 يناير، أو حتى قبلها، يخشون بشدة من تزايد شعبية السيسي ويرون فيه منافساً محتملاً في الانتخابات الرئاسية المقبلة، بل يدركون أن فرصهم في منافسته تكاد تكون مستحيلة بعد النجاحات التي حققها الرجل وردود الفعل الشعبية الإيجابية دائماً في الشارع تجاهه. وهم لم يصدقوا أنه لن يترشح وفضلوا تشويهه أو عرقلته أو إعاقته، حتى يصير غير قابل للترشح وليس رافضاً للمنافسة! وبغض النظر عن أداء السيسي أو نجاحه أو فشله أو تحفظات بعضهم عن حكاية المرشح العسكري، فإن واقع الأمور يشير إلى أن الرجل يتمتع فعلاً بشعبية كبيرة لم تؤثر فيها الحملة التي يشنها «الإخوان» بكل الوسائل ضده، والغمز او اللمز الذي يمارسه بعض رموز القوى المدنية في حقه. لكن عموماً تبقى مسألة ترشحه أو لا في الانتخابات الرئاسية المقبلة غير ملحة في الوقت الذي تعاني فيه مصر أوجاعاً وأمراضاً وآلاماً غير خفية عن أحد، لكن المشكلة أن القوى المدنية المعادية للإسلاميين عموماً و «الإخوان» خصوصاً صارت تستغل هذه الأوجاع وتلك الأمراض والآلام لتحقيق أرباح على حساب الوطن والمواطن البسيط أيضاً. هي غير قادرة على المنافسة وتعتقد أن هزيمة منافسيها بالإساءة إليهم أو تشويه صورتهم وحرقهم أفضل من مواجهتهم، وعليك أن تبتسم بسخرية حين تسمعهم يتهمون «الإخوان» بأنهم إقصائيون أو يشوهون خصومهم!
لم يُفهم موقف القوى المدنية من اعتصامي «الإخوان» في رابعة والنهضة، أو مسألة الدستور الجديد، أو خريطة الطريق التي وضعها السيسي، أو أحداث العنف الدموي في سيناء، أو مسيرات «الإخوان» ليلاً ونهاراً وقطعهم الطرق ووقف حال الناس، ليس هناك موقف واحد للقوى المدنية تجاه أي حدث، وإنما دائماً هناك مواقف متعددة ومتباينة ومتنافرة تجاه كل حدث لا يتحمل الخلاف حوله أو المزايدة أو الابتزاز. مصيبة مصر لم تكن في الحزب الوطني أو «الإخوان» أو الإسلاميين فقط… وإنما في نخبها المدنية أيضاً.