على الجانب الآخر انزلق معسكر الإسلاميين إلى مستوى متدنٍّ من نفس خطاب الكراهية والتحقير لخصومهم بشكل لا يليق مطلقا برسالة الإسلام السامية. وتبارى إعلامهم في التحريض العلني على سفك الدماء والانتقام من المعارضين ونعتهم بأسوأ الكلمات. بل وصل الأمر ذروته حين انزلق بعض قادتهم إلى استخدام لغة طائفية وخطاب عنصري مذموم.
أزمة الديمقراطية في مصر
د. خليل العناني كاتب وأكاديمي مصري
تعيش مصر أزمة حقيقية منذ عزل الرئيس المصري السابق محمد مرسي. وقد لعب الإخوان المسلمون دورا كبيرا فى حدوث هذه الأزمة سواء بأخطاءهم السياسية طيلة العام الماضي، أو بسبب تعنتهم وإصرارهم على عدم الاستماع لكل دعوات التهدئة التي جرى توجيهها قبل سقوط مرسي.
حين تفشل السياسة فانتظر الحرب، وحين تنتفي الأخلاق تصبح الجريمة أمرا مشروعا، هكذا يخبرنا فلاسفة السياسة والأخلاق. وما حدث فى مصر طيلة الأسبوعين الأخيرين كان انعكاس لفشل الفرقاء السياسيين فى حل خلافاتهم السياسية بشكل سلمي وديمقرطي. فقد قاموا جميعا بإلقاء المصلحة الوطنية خلف ظهورهم وانهكموا في حرب “الكل ضد الكل” ضمن معركة إقصائية تتناقض كليا مع ادعاءات الديمقراطية والحرية والليبرالية. وأثبتت الأزمة أن المشكلة ليست فقط في الخلاف السياسي بين الطرفين، وإنما في تركيبتهم الفكرية والأخلاقية. فقد سقطت النخبة السياسية في أول اختبار سياسي لها بعد ثورة الـ25 من يناير بعد أن فشلت على مدار عام كامل في حل خلافاتها السياسية فكانت المواجهة أمرا محتوما. وانحدروا جميعا إلى صراع استخدمت فيه كل أنواع الدعاية السياسية غير الأخلاقية. فالمعسكر المضاد للإسلاميين وبعد أن فشل على مدار ثلاثة أعوام كاملة في منافسة الإسلاميين انتخابيا لم يجد وسيلة أفضل للتخلص منهم سوى الاستعانة بالمؤسسة العسكرية. وهو معسكر خليط يضم ليبراليين وعلمانيين وإعلاميين يدعمهم بقايا نظام ساقط وحكومات لم تخفِ يوما رفضها للإسلاميين وقد اجتمع هؤلاء على هدف واحد هو التخلص من حكم الإخوان مهما كان الثمن. وقد استمر هؤلاء، ولا يزالون، في ترويج خطاب الكراهية والتحريض على الإسلاميين دون خجل حتى بعد عزل مرسي.
على الجانب الآخر انزلق معسكر الإسلاميين إلى مستوى متدنٍّ من نفس خطاب الكراهية والتحقير لخصومهم بشكل لا يليق مطلقا برسالة الإسلام السامية. وتبارى إعلامهم في التحريض العلني على سفك الدماء والانتقام من المعارضين ونعتهم بأسوأ الكلمات. بل وصل الأمر ذروته حين انزلق بعض قادتهم إلى استخدام لغة طائفية وخطاب عنصري مذموم حول الخلاف السياسي إلى خلاف حول المذهب والعقيدة والدين. وارتكب الرئيس المعزول محمد مرسي خطأ لا يغتفر حين صمت على تصاعد حدة هذا الخطاب دون أن يوقفه أو يحاسب من يروجه. في حين سمحت جماعته بأن يعتلي منصتها مجموعة من الموتورين دينيا وأيديولوجيا كي يبثوا رسائل العنف والكراهية دون خجل.
فى ظل هذا المناخ الفاسد لم يكن غريبا أن ينقسم الفريقان حول كل شيء بدءا من كيفية التعاطي مع خلافاتهما السياسية مرورا بالانقسامات الأيديولوجية، وانتهاء بكيفية الخروج من الأزمة التي مرت بها البلاد طيلة الأسابيع الماضية. سقط مرسي والإخوان وسقط معهم خصومهم سياسيا وأخلاقيا، وبغض النظر عن مآلات الأزمة الراهنة فإن الجيل القادم سوف يدفع ثمن هذا السقوط بعد أن تم إجهاض أول محاولة لبناء الديمقراطية في مصر.
خليل العناني/أزمة الديمقراطية في مصر
15
المقالة السابقة