العالم بأسره متجه نحو إيران بانتخاباتها الرئاسية التي يعول عليها الكثير من أولئك الذين لا يعرفون حقيقة التركيبة الإيرانية، والدور يلعبه مرشد الثورة علي خامنئي. ومع ذلك لا بد من الاعتراف أن أي رئيس إيراني هو القوة الثانية بعد المرشد، وما تحكم به قوى الغرب أن يكون الرئيس المقبل شخصية مختلفة عن الرئيس الحالي أحمدي نجاد الذي عرفت رئاسته الكثير من التوترات مع الغرب وخصوصا الولايات المتحدة، إضافة إلى التصادم الكلامي بينه وبين قادة إسرائيل.
الرئيس الإيراني الجديد الذي سيظهر اليوم أو غدا على أبعد تقدير، لن يكون في كل الأحوال شبيها بأحمدي نجاد حتى لو كان من المحافظين، فكيف لو فاز الإصلاحي روحاني الذي يقدر الغرب سلفا قدرته على فتح حوارات مختلفة معه، ضمن تقييمه له بأنه امتداد للرئيس السابق محمد خاتمي.
لكن الأمور لن تكون سهلة أمام أي ممن سيفوز في الانتخابات الرئاسية الإيرانية. سيجد نفسه مرميا على الفور في أزمة معقدة وصعبة تعتبرها إيران أزمتها وهي الصراع على سوريا، فقد كانت تصريحات جل قادة إيران قد اعتبرت أمن طهران من أمن دمشق، وأن من يفكر بإسقاط الرئيس الأسد فهو خائب. ورغم أن إيران دأبت على تصحيح علاقاتها الخليجية، إلا أن أزمة سوريا عقدتها وخصوصا مع دولتين معروفتين بدعم المعارضة السورية، فمن يستطيع بالتالي كتابة سطور جديدة في العلاقات الإيرانية الخليجية، ومن يملك مفتاح هذا الباب الذي بات صعب الترميم.. فسوريا بالنسبة لإيران دولة يصعب أن تراها مختلفة، وسقوطها في دمشق، سقوط حتمي في طهران.. هذا الحلف الاستراتيجي تعمد بالدم أيضا من خلال مقاتلي حزب الله في القصير وغيرها، ودخل في رحلة التمازج الكلي نحو مستقبل إخراج سوريا من محنتها، ولن يكون سرا منذ القصير أن تم اكتشاف وجود إيراني مباشر في أية بقعة سورية، مع أن هذا قد يكون حصل بالفعل.
أما قضية النووي الإيراني “قميص عثمان” علاقات إيران بالخارج الغربي، والتي يجري صمت بليغ حولها بانتظار شخصية الرئيس، قد تأخذ أبعادا جديدة مع رئيس إيراني يحتاج لتجربة مد وجزر جديدة. إن أي رئيس في الجمهورية الإسلامية الإيرانية لا يمكنه التنازل عن الهدف النووي على الإطلاق بعدما أقر وانتهى الأمر فيه داخليا. الحكمة الجديدة تقوم على كيفية معالجة هذا الملف.. قد لا يظهر ذلك فور انتخاب الرئيس الذي سيلتزم به، لكنه سيفتح الباب أمام الآخر الغربي من أجل التفاهم حوله. لعل الغرب يعرف معنى النووي في حياة إيران وكيفية استخداماته السلمية التي تجعل من إيران دولة عظمى على صعيد الداخل وعلاقتها بالخارج.
وماذا عن العراق رئة إيران، ولبنان حدودها مع إسرائيل.. إنهما من الثوابت التي لا تتغير نظرتها لهما مهما اختلف الرئيس، ثم ماذا عن تركيا التي تلعب دورا سيئا مع حليفها الاستراتيجي سوريا؟ وماذا عن أفغانستان وهي بين غريمين: طالبان والقوات الأميركية والأجنبية الأخرى؟ وماذا وماذا..؟!
ملفات ليست سهولة متدرجاتها موجودة ومتوفرة، كما أن مصاعبها تجعل من أي رئيس جديد في مواجهة ملفاتها المفتوحة، وليس فيها ما هو مغلق.
إيران تتحدى ذاتها في انتخاباتها الرئاسية لو قدر لها أن يكون لها رئيسان؛ واحد محافظ، والآخر إصلاحي لقبلت كي لا تخوض معركة داخلية تظل مفتوحة سنوات الرئاسة الأخرى، ولكان لها أن يكون هنالك رأس من الحماوة، وآخر قابل للبرودة، لكنها مضطرة أن تختار اليوم ليظهر فيها شرخ لا تريده، لكنه قدرها عند كل انتخابات رئاسية.
العالم كله ينتظر، والعرب في الطليعة، وأما إسرائيل فتتجهز لمرحلة إيرانية مهما كان رئيسها..!