لا يختلف الكثير من الاقتصاديين أن توجيه الدعم إلى مستحقيه بشتى الوسائل المناسبة قضية جوهرية في قيام الحكومات بدعم الفئات الفقيرة ومتوسطة الدخل وفي عملية إعادة توزيع الدخل بين الفئات الاجتماعية.
وقد برز مفهوم البطاقة الذكية ومفهوم قسائم (كوبونات) الدعم، وتحديد حصص للبيع وإنشاء المؤسسات أو الجمعيات المتخصصة، كالمؤسسة الاستهلاكية المدنية والعسكرية، كنوافذ لغايات توجيه الدعم إلى مستحقيه.
ما رشح من تصريحات حول موضوع استخدام البطاقة الذكية في الأردن لتوجيه الدعم إلى مستحقيه يستوجب الوقوف عند بعض الحقائق المهمة. ولعل أولها أن في الأردن حسب بعض الإحصاءات ما يزيد على 2 مليون وافد، بين مقيم ولاجئ وزائر. وهي نسبة تشكل نحو 40 % من سكان المملكة وهم اليوم يتمتعون بشتى أنواع الدعم الذي تُقدمه الحكومة لكل مقيم في الأردن في مجال الغذاء والماء والكهرباء.
والحقيقة الثانية أن إجمالي المرصود لدعم المواد الغذائية في موازنة عام 2013 هو 225 مليون دينار، وهو مبلغ يشكل نحو 17 % من العجز المالي للحكومة المركزية بعد المساعدات، أو 10 % منه قبل المساعدات. في حين أنه يشكل ما يقرب من 6 % من العجز المالي للحكومة المركزية والمؤسسات العامة المستقلة والبالغ نحو 3.4 مليار دينار أردني.
والحقيقة الأخيرة هنا أن إعطاء دعم لغير مستحقه مهما كانت جنسيته هو تشوه لا يقبل به الخبراء أو العامة. ومن هنا فإن استخدام البطاقة الذكية تطبيق لا غبار عليه في حسن إدارة المال العام وإعطاء كل ذي حق حقه. بل قد يكون من المناسب بداية صرفها لجميع الأردنيين ممن يرغبون في الحصول عليها من دون عناء، ما يعني توفير ثلث الدعم على الأقل، في حال أقبل الجميع عليها ووافق على تجشم عناء الحصول عليها، وقد يوفر ذلك نحو 10 % من السكان من ذوي الدخل المرتفع الذين لن يُقبلوا على الحصول عليها توفيرا لوقتهم ونظرا لعدم وجود عبء حقيقي عليهم في دفع أثمان الخبز ومشتقاته بالسعر غير المدعوم.
المحصلة هنا توفير ما يقرب من 50 % من قيمة الدعم المرتبط بالمواد الغذائية، أي نحو 125 مليون دينار سنويا على خزينة المملكة، أو بعبارة أخرى يُصبح عبء دعم المواد الغذائية نحو 3 % من إجمالي العجز المالي الكلي للبلاد.
الحقيقة المُرّة هنا أن 97 % من العجز يبقى من دون حل جوهري. وحتى وإن تم تعويم أسعار الكهرباء بالكامل بعد الانتهاء من معضلة دعم المواد الغذائية فإن العجز المالي الكلي سينخفض بنحو مليار دينار أخرى، وهذا يتركنا أمام عجز مالي يخص الحكومة وأجهزتها يتجاوز ملياري دينار أردني، أي نحو 64 % من إجمالي العجز يخص الحكومة ومؤسساتها.
الشاهد من كل ذلك أن العبء الحقيقي للمواطن العادي بين كهرباء وغذاء وماء هو ثلث العجز المالي للدولة في حين أن نحو ثلثي العجز يتعلق بمسار العمل اليومي للدولة وإدارة المال العام.
الإصلاح المالي المطلوب إصلاح شامل يبدأ بتحسين إدارة المال العام وضبطه وترشيد نفقاته وينتقل بعدها إلى جيب المواطن ميسور الحال ويراعي الطبقات الفقيرة ورقيقة الحال. الحقيقة الختامية أن المواطن يتحمل اليوم نحو 500 مليون دينار سنويا من ضرائب على المشتقات النفطية تذهب لخزينة الدولة مباشرة، وهذا يعني أن المواطن يُغطي ما يزيد على نصف عبئه من دعم الغذاء والكهرباء مجتمعين، فهل تعدنا الحكومة ببرنامج إصلاح مالي يوازي ما يقوم به المواطن فتخفض هي عجزها المالي إلى النصف؟ نأمل ذلك.