نستطيع القول، الآن، وقد نالت حكومة الدكتور عبد الله النسور ثقة مجلس النواب، أننا لم نعد نقف أمام مجاهيل سياسية كانت ستربك حركتنا لفترة طويلة. ونذكر بها، هنا، فلعل ذلك ينفعنا.
كنا، لو لم تنجح الحكومة، سنضطر، في خضم ما نعاني من أزمات، للانتظار شهورا آخرى ريثما تتشكل حكومة بديلة وتنال ثقة مجلس النواب. ثم ماذا لو مُنِعت الحكومة الجديدة هذه الثقة؟ هل كنا سنستطيع الاستمرار باللعبة الديمقراطية المفتوحة، بطبيعتها، لكل القوى ذات الثقل المالي والعسكري، كلاهما، أو أيهما؟ هل كانت الدولة، ونحن في درك الفوضى، ستلجأ لإعلان الأحكام العرفية وحل البرلمان وتأخير الانتخابات لسنة أو اثنتين كما حصل سنة 2003؟ ما الذي كنا سنفعله لو تفاقمت الحرب الداخلية في سوريا، فعملت حكومة الأسد على دفع نصف مليون لاجئ سوري آخر باتجاه حدودنا؟ نذكر بموقف إيران الأخير. ذلك العدوان قد يتكرر بأشكال داهمة، إن لم يمثل استقرارنا تهديدا للمعتدي.
عشرات الأسئلة حول كل الأوضاع التي لا خيار لنا في الاستجابة لها، ما لم نرتب أنفسنا في الداخل بما ينسجم ومصالحنا الوطنية والقومية والمصالح المشروعة لدول صديقة داخل وخارج الأمم المتحدة، بما لنا من مكانة خاصة عند كل هؤلاء.
استقرارنا المتمثل بثباتنا على نهج عملي وواضح في الإصلاح شرط لا بد منه لكي نوسع من دائرة الثقة المطلوبة/ الثقة الحقيقية المطلوبة.
الثقة التي نالتها حكومتنا العتيدة، يوم الثلاثاء الفائت، كان مسرحها المساحة الضيقة المتاحة تحت القبة، وهي ثقة تبدأ بجلسة برلمانية وتنتهي بانتهائها؛ وقد انتهينا منها، على أية حال؛ لكن الثقة الحقيقية بحكومة النسور ليست محصورة ببناء واحد ولا بمجموعة واحدة ولا بجلسة واحدة، بل هي مسيرة متكاملة مسرحها الوطن كله وشركاؤها الناس كلهم، وكسبها يكون نتيجة برنامج عملي للإنجاز الواسع الممتد أفقيا وعموديا.
هذه الثقة لا تكتسب ولا تمنع بالكلام، فصيحا كان أم معوجا، قادرا على حمل الفكر أم عاجزا عن حمله إنها مشروع تشاركي متكامل تقودنا فيه الحكومة وتشترك معها في تنفيذه، يدا بيد، مؤسسات الدولة الرسمية والمدنية وكل الناس منظمات وأفراد حيث هم ومهما كانت مشاربهم.
هي ثقة واسعة بحكومة قريبة من الناس تعرف، بالتجربة، همومهم؛ كما أنها ثقة راسخة يعناد أناسنا، في الدفاع عن مصالحهم، برجولة وذكاء وقدرة على استشراف الهدف ومعرفة الطريق إليه والسرعة الواحدة التي تنتظم حركتهم نحوه.
شعبنا يعرف هذه الشروط البدهية في العمل الجماعي، ويقبلها ويقبل عليها إن رآها تتشكل على الأرض أمامه بجدية واعدة، وهي حالة لا يريدها كثيرون بل ربما يحاربونها.
لقد قيل أننا شعب مدلل هل ذلك صحيح؟ ربما أشيعت الفكرة للاستفراد بالدولة ومقدراتها، «يُشَق عرقوبنا ونُغالِط،» كما تذهب الحكمة التقليدية، ونُسام سوء العذاب. مقولات كهذه ليست سوى قنابل دخان يتسللون تحت غطائها إلينا.
لنراقب ما يحصل جيدا. ففي جو الحرية الذي نعيشه مجال رحب يسع لمشاركتنا في صنع القرار. هناك الكثير مما يمكننا القيام به، سواء كان ذلك في المساعدة بالتعريف بمصالحنا وبالطريقة الأقصر لتحقيقها، أم بالوسائل اللازمة لتحقيق الهدف.
فالح الطويل/آفاق الثقة بالحكومة
21
المقالة السابقة