عروبة الإخباري – قتل النظام السوري أكثر من 100 ألف من شعبه، فهل نظن أنه سيتردد في قتل أبناء الشعوب الأخرى، وفي نقل المعركة إلى خارج حدود بلده، لتوسيع الخراب وتوزيعه؟المشهد السوري اليوم يبدو أكثر تعقيدا، وكل الأفكار لإنهاء الأزمة في الجارة الشمالية تبدو غير قابلة للتطبيق، فيما العالم أجمع ما يزال متواطئا وغير مقتنع بضرورة حقن دماء السوريين، ربما إلى حين هدم آخر حجر في سورية!الأطراف المعادية لنظام بشار الأسد والمؤمنة بضرورة رحيله، ما تزال تدعم المعارضة بالقدر الذي لا يمكّنها من حسم الصراع؛ فيما أنصار النظام يغدقون عليه الدعم المالي والعسكري وغيره.في الأردن، تعكس التصريحات الرسمية المختلفة قلقا متصاعدا من ارتفاع وتيرة القتال في سورية، وما يحمله من تبعات محلية ترتبط مباشرة باستمرار تدفق اللاجئين السوريين الذين يفوق عددهم اليوم نصف مليون لاجئ، ويتوقع أن يبلغوا مليون لاجئ مع نهاية العام.أكثر من ذلك، فإن للمملكة حدودا طويلة مع سورية، تمتد على مسافة 375 كيلومترا. وهي بوابة كبيرة لا ينوي الأردن إغلاقها، رغم تعاظم كلف إبقائها مفتوحة في وجه السوريين. إذ تقدر الدراسات الحكومية التكاليف المالية للاجئين السوريين بحوالي مليار دولار وأكثر.العبء ليس ماديا فحسب؛ بل ثمة تبعات أمنية غير قابلة للحصر بسبب وجود هذا العدد؛ ناهيك عن أن الأردن بإمكاناته، غير قادر على حماية هذه الحدود الطويلة، وهو ما دفعه إلى طلب مساعدات عسكرية دفاعية، لتقوية قدرته على ضبط الحدود وحمايتها.أردنيا، يسعى الملك إلى تقديم جملة من الأفكار للإدارة الأميركية لإنهاء الأزمة. وكل ما يطرحه يقوم على قواعد لم تتغير منذ بدء الصراع، وتتمثل خصوصاً في الحل السياسي، ورفض العمل العسكري. ويلتقي مع هذا الرأي الموقف الأميركي الذي ما يزال متحفظا بشأن التدخل العسكري، بعد أن دفع كلف مثل هذه الخطوة في العراق وغيره. الأسلحة الكيماوية السورية تشكل هاجسا للأردن، وهذا ليس سرا. ومصير هذه الأسلحة ولمن ستؤول بعد نظام الأسد، هي أيضا قضية تشغل العالم، ولربما يكون الأردن الأكثر تضررا من المسألة. والظاهر أن استخدام النظام للأسلحة الكيماوية لن يدفع إلى تحريك ساكن من قبل الولايات المتحدة، التي كانت هددت بتدخل عسكري في حال لجأ بشار لها، وهو ما تثبته فعلاً التقارير الاستخبارية الغربية.حتى وقت قريب، سعى الأردن الرسمي إلى الوقوف في منطقة الوسط؛ فظل على الحياد بين النظام والمعارضة، لحساسية الوضع وتأثيراته المتوقعة، لاسيما بالنظر إلى القرب الجغرافي. لكن تزايد تبعات الأزمة على الأردن من مختلف الاتجاهات، وطول مدة الاقتتال وتأخر الحسم، ربما يؤديان دورا كبيرا في إحداث استدارة في الموقف الأردني، حرصا منه على مصالحه وأمنه واستقراره.التصعيد السوري على الحدود مع الأردن، وسقوط القذائف المتكرر على منطقة سما السرحان، ليسا حدثاً بريئا؛ لناحية النوع والتوقيت. فنظام الأسد يدرك جيدا أن أبرز الملفات التي يحملها الملك عبدالله الثاني إلى واشنطن هو الأزمة السورية التي يرى الملك أن خطورتها وصلت إلى مستويات غير مسبوقة وكارثية.ويمكن لنا استنتاج أن توالي سقوط قذائف نظام الأسد على القرى الأردنية، بما ولّدته من حالة رعب وخوف وقلق لدى سكان تلك المناطق، إنما هي رسالة مباشرة من هذا النظام للأردن بضرورة العودة خطوة إلى الخلف في الطروحات التي يقدمها لأميركا وغيرها. إذ تأتي هذه القذائف بعد التهديد “الناعم” الذي وجهه بشار الأسد، في مقابلته الأخيرة مع تلفزيون “الإخبارية السورية”، من امتداد النيران إلى الأردن، والحركات الاستفزازية لهذا النظام لا تعكس موقفا قويا بالضرورة، بل هي محاولة لتصدير أزمته للدول المجاورة، بدأها باشراك حزب الله في الحرب.حسم الموقف في سورية، يتطلب مواقف منسجمة وغير مواربة من جميع الأطراف.أما الأردنيون الذين يدعمون نظام بشار الدموي، ويطالبون بالإصلاح في بلدهم، فيقال لهم إلى متى هذه “الشيزوفرينيا”.
جمانة غنيمات/في مرمى النيران
14
المقالة السابقة