على عكس البعض ممن يحتفون بتصريحات المستشار فؤاد جاد الله، المستشار القانونى المستقيل للرئاسة، أعتقد أن هذه التصريحات مهما كانت قيمتها فإنها تعد من أسرار الرئاسة وأسرار عمل جاد الله، التى يفترض أن يصونها لكون بعضها يتعلق بأشخاص وسياسات وقرارات تتعلق بعضها بالأمن القومى، وليس من الشجاعة أن يخرج مسؤول سابق بعد أن يترك منصبه ليذيع أسرار عمله، ويقول إنه كان ضد هذا القرار أو ذاك، بل الشجاعة أن يبدى رأيه فى وقته. ولا يفترض أن نكيل بمكيالين ونحن نتعامل مع أسرار الدولة، خاصة ونحن فى حالة من السيولة تتفوق فيها النميمة على الحقيقة، وقد سبق أن انتقدنا تصريحات المهندس أبوالعلا ماضى عندما خرج ليذيع حديثا نسبه للرئيس مرسى يتهم فيه المخابرات برعاية البلطجة، واعتبرناه نوعا من الارتباط والتردى السياسى.
وفى حالة جاد الله، بالرغم من كل ما قاله المستشار المستقيل، فهو لم يضف جديدا، وإن كان أكد ما كان مجرد افتراضات حول آلية اتخاذ القرار فى مؤسسة الرئاسة، وكشف أيضا عن حالة الارتباك والتضارب، والغموض التى تلف المؤسسة الرئاسة.
من بين ما قاله جاد الله فى أسباب استقالته هو رفضه انفراد جماعة الإخوان بالسلطة ورغبتها فى الاحتكار، وأن الرئاسة تعمل لفصيل لخدمة الجماعة، وهو أمر ليس مفاجئا، لكن المفاجأة أن جاد الله نفسه كان محسوبا طوال الوقت ضمن خلايا الإخوان، ومن يعملون لصالح الجماعة، لكن السؤال الذى يتبادر: لماذا صمت جاد الله طوال هذه الشهور؟ ولماذا لم يعلن رأيه هذا من قبل؟
هى الحالة سابقا.. كما يسميها الأستاذ صلاح عيسى، عن الشجاعة التى تتملك من المسؤولين بعد خروجهم من المنصب ليتحولوا إلى النقد، ويخرج كل منهم ليعلن للناس أنه كان شجاعا، وكان يقول للرئيس «أنت رئيس» فى عينه، حدث ذلك كثيرا أيام مبارك، بل بعد تنحيه وجدنا مسؤولين كانوا صامتين أيام مبارك وأصبحوا أسودا بعد تنحيه.
وبالعودة إلى جاد الله هناك ما يشبه الحالة سابقا، حيث خرج بعض قيادات الإخوان ليهددوا جاد الله بفتح ملفاته، ما لم يصمت، وأشاروا ولمزوا إلى ما قالوا إنه فضائح أو مخالفات، وهى إدانة للجماعة والرئاسة، فى حال صحتها، لأنه لو كانوا يملكون أوراقا تدين المستشار وقت عمله، فإن صمتهم عليها يعتبر نوعا من التواطؤ على حساب الدولة والصالح العام.
وبمناسبة الصالح العام والوطن، فنحن أمام حالة من «الهجص» السياسى، فكل مسؤول يقبل منصبا يقول إنه يفعل ذلك من أجل الوطن والثورة، وعندما يستقيل يخرج ليعلن أن استقالته من أجل وجه الوطن والثورة، وفى كل الحالات لا أحد يصدق هذا ولا ذاك، فقط يمكنهم أن يصدقوا لو خرج المسؤول ليقول إنه يفعل هذا من أجل نفسه أولا، أما الوطن فهو كفيل بنفسه.
وعلى كل الأحوال لا يمكن إقرار أن تكون أسرار الرئاسة معروضة فى العلن، لا من جاد الله ولا من غيره، طالما قبل منصبه واستمر فيه، فليس من حقه أن يخرج ليقول «مش لاعب»، بل على المسؤول أن يتحمل مسؤولية عمله بكل نتائجه.