تكاد تتحول الأزمة السورية، وقد عبرت، الآن، حدودنا الشمالية، إلى حرب شاملة، علينا، لا هوادة فيها فيما تستهدفه من مواردنا وبنيتنا التحتية، وحتى أمننا الوطني، ووحدة شعبنا. ومع ذلك تجد من يحجّم الخطر بطرح سؤال يصر على الإجابة عليه فورا: هل نغلق حدودنا أمام اللاجئين السوريين، أم نبقيها مفتوحة لدواع إنسانية؟ ثم يحكم على المستجيب وفقا لإجابته. ويحتدم الاختلاف.
ولا يجب أن يكون خلاف. فنحن نكاد ننسى، في الحمّى الناجمة، كثيرا من حقائق الصراع الثابتة وتحدياته التي ينبغي الانطلاق منها للتعامل مع جوانب التحدي الأخرى، وما خلفته وتخلفه من نتائج يعاني منها شعبنا، هنا وتصيب أهلنا في سوريا ولبنان، بشكل خاص.
فالحقيقة الثابتة الأولى التي لا يختلف فيها الناس هي أن الصراع الدائر في سوريا قد عبر، ومنذ زمن، نقطة اللاعودة. فمن المستحيل، بعد كل هذا الدمار، أن يعود الأسد ليحكم سوريا، سواء كان ذلك بانتصاره أمنيا أو عسكريا- أيهما، أم بحل النزاع حلا سلميا، بطريقة أو بأخرى.
لقد ثبت من سجلات التاريخ المكتوب أن 95% من كل الحروب الأهلية التي نشبت عبر التاريخ الحديث قد انتهت لصالح الثوار. على أنها، ما لم تكن، في سوريا، اليوم، نهاية حاسمة وكلية ونظيفة، فإنها ستتحول إلى صراع داخلي يكون، مرة، صراعا طائفيا مغلقا حتى ظهور نتائجه؛ ويأتي، أخرى، على شكل فوضى عامة تحت غطاء شعارات سلفية تستهدف إعادة صياغة الدولة السورية، وشعبها الذي نعرفه، نحو نموذج لم يعد بالإمكان تطبيقه- دولة الخلافة، مثلا، مما يمكن أن يكون سببا في استمرار الصراع لسنوات طويلة أخرى، وربما امتداده خارج الحدود ليصيب كل الدول العربية الجارة، بشكل خاص.
وأيا كانت اتجاهات مثل هذا التطور ومنحنياته، فإننا سنبقى، هنا، في الأردن، الجيران الذين يتلقون الانهيارات الناجمة عنه، والذين سيكون عليهم، في كل الحالات، تدبر أمرهم معه وتلافي نتائجه الكارثية.
لقد سبق أن تلقى الأردن، وعبر ثمانية عقود مضت من تاريخه، كثيرا من نتائج مثل هذه الصراعات التي حدثت في المنطقة. وهي نتائج تتضخم، مع الزمن ومع كل صراع، بحجم ومساحة زمنية متاحة غير كافية لمواجهتها، بما تنوء بحمله دول أكبر وأغنى منا. لقد تضخم سكان الأردن في كل صراع من هذه الصراعات بنسبة تراوحت بين 20% و30% دفعة واحدة ( دراسة حديثة لمجلسنا الاقتصادي والاجتماعي.) لماذا يا ترى؟
لم تكن الجغرافيا هي السبب الوحيد والأهم، بل كان السبب الاستقرار الذي جعل بلدنا واحة أمان للباحثين عنه بإفشالنا كل مشاريع تحويله إلى ساحة لحروب غيرنا؛ وثباتنا، دائما، في المكان نفسه، دورا وسياسة؛ وخروجنا سالمين كل مرة فرضت فيها حرب علينا، كما هو الحال هذه الأيام.
لقد نجحنا في ذلك، مرة وأخرى، حين عرفنا أولوياتنا. ومن البدهي أن يكون في رأس قائمة هذه الأولويات حماية استقرارنا المستهدف دائما، الذي لا نستطيع الحركة باتجاه أي إنجاز إلا بدءا منه.
ذلك مطروح كله، علينا، اليوم، فيما نواجه من حرب شرسة لا تختلف في توقيتاتها وأدواتها وأهدافها عن كل ما سبق من حروب شنت علينا.
فالح الطويل /استقرار وطننا هو الهدف
20
المقالة السابقة