في ظل التغيرات الهائلة السياسية والاقتصادية سواء على الصعيد الإقليمي أم على الصعيد العالمي، تجد الفلسفة الاقتصادية الإسلامية طريقها نحو النمو المتصاعد الذي يلحظه خبراء الاقتصاد على مستوى العالم.
تعرض العالم الغربي لأزمة مالية عميقة، نشأت في عمق المركز الرأسمالي، أدى إلى سلسلة انهيارات مصرفية كبرى، أطاحت برموز كبيرة ونجوم ساطعة في سماء الرأسمالية، وكل ذلك يعود إلى عامل رئيسي متمثل في الركيزة الربويّة للنظام الرأسمالي الذي أدى بشكل حتمي إلى تشوهات عميقة في حقيقة الاستثمار وجوهره من جهة، وفي التوزيع الظالم للثورة من جهة أخرى.
هذه الأزمة أدت إلى توجه العقل الغربي نحو البحث عن فلسفة اقتصادية أخرى أكثر استقراراً وأكثر عدالة، ووجدنا أن كثيراً من العقول الاقتصادية الغربية بدأت التفكير الجدي بالتحول نحو الصيغة الإسلامية في الصناعة المصرفية والمنهج الإسلامي في التعامل مع المال.
العامل الآخر المهم الذي أسهم في زيادة حجم الاستثمار وفقاً للصيغة المصرفية الإسلامية هو التحولات العميقة التي تطال بنية النظام السياسي العربي، التي تؤشر بوضوح نحو نمو الفلسفة الاقتصادية الإسلامية في الاستثمار والصناعة المصرفية في بلدان العالم العربي وزيادة مساحتها في الأسواق المالية في المستقبل القريب.
أشارت مؤسسة “أرنست أند يونغ” في تقرير لها أن الخدمات المصرفية الإسلامية تشهد نمواً أسرع بـ 50% بالمقارنة مع القطاع المصرفي العام، فقد تجاوزت الأصول المصرفية الإسلامية حاجز (1.5) تريليون دولار في نهاية عام (2012م)، ولفتت تقديرات مركز الخدمات المصرفية الإسلامية التابع للمؤسسة أن الأصول المصرفية الإسلامية في منطقة الخليج العربي وحدها بلغت (445) بليون دولار عام (2012م) في حين أنها بلغت (390) بليون دولار نهية عام (2011م) وتشير التقديرات إلى أن الأصول المصرفية الإسلامية سوف تصل إلى (2) تريليون دولار في نهاية عام (2015م).
ولفت الخبراء إلى أن ربحية القطاع المصرفي تسير في طريق الاستقرار في أسواق الخدمات الرئيسية، ولا يقتصر الاهتمام المتزايد والإقبال الملحوظ على الصيغة الإسلامية في أسواق العالم الإسلامي بل هناك تحول ملحوظ على مستوى الأسواق العالمية، وبدأت البنوك العالمية تتجه نحو فتح فروع لها تتبنى الصيغة الإسلامية في بريطانيا ودول أوروبا وكثير من دول العالم.
لقد شكلت كل من السعودية وماليزيا والإمارات العربية أبرز الدول في نمو هذا القطاع، وتستعد إمارة دبي منتصف الشهر الجاري لاستضافة مؤتمر الشرق الأوسط للتمويل والاستثمار الإسلامي بحضور أكثر من (250) من قادة هذا القطاع على مستوى العالم، بهدف استكشاف الفرص الناشئة للتمويل والاستثمار في ظل نمو العائدات النفطية بشكل كبير، وفي ظل التفكير في تحويل دبي لتكون عاصمة الاقتصاد الإسلامي العالمي، في حين أن التوقعات تشير إلى نمو هذا القطاع في ليبيا التي تستعد لفتح مصرف إسلامي برأسمال يقدر (100) مليون دولار، ليشكل فاتحة نحو نمو الصناعة المصرفية الإسلامية، ويتوقع فتح أول مصرف إسلامي في المغرب في مطلع أكتوبر القادم مما يؤشر على نمو متوقع في سوق الصيرفة الإسلامية في بلدان المغرب العربي، مع العلم أن السودان خطت خطوة كبيرة ناجحة على هذا الصعيد منذ سنوات، ولذلك يحتمل أن تشكل بلدان المغرب العربي وحوض النيل مركزاً مالياً كبيراً لعالم البنوك الإسلامية على الصعيد الأفريقي في طريقه نحو النمو المتصاعد ليوازي المركز المالي في الخليج وشرق آسيا.
هذا يحتم على الجامعات وكليات المال والاقتصاد في العالم العربي والإسلامي أن تلتفت إلى هذا التحول وأن تستعد له بطريقة علمية منهجية مدروسة من أجل توجيه العقل العربي و الإسلامي نحو تطوير الصيغة الاقتصادية الإسلامية وتحديثها عن طريق عقد المؤتمرات والندوات المتخصصة التي تجمع بين المختصين في مجال الفقه الإسلامي وفي المجال الاقتصادي والمالي، ومن أصحاب الخبرة في المجال المصرفي والعاملين في الأسواق المالية، والمسألة الأخرى ينبغي أن يتم التوجه لدعم إنشاء مراكز الدراسات الاقتصادية التي تستقطب الباحثين في هذا المجال من أجل رفع سوية الصيغ القائمة وتطويرها لتصبح تجربة عالمية ناجحة قادرة على حل مشكلات الاقتصاد العالمي.
د.رحيل غرايبة/الخط المتصاعد للاقتصاد الإسلامي
12
المقالة السابقة