عروبة الإخباري – على مدى عشر سنوات أو أكثر من متابعتي المفاوضات النووية بين الدول الست وإيران كانت كل جولة تبدأ على خلفية توقعات باختراق وتنتهي بالفشل.
الجولة الأخيرة لم تشذ عن القاعدة. فهي بدأت في الماتي، العاصمة القديمة لقزخستان، قبل شهر واستؤنفت في اسطنبول بجلسة دامت 13.5 ساعة، وعادت الى الماتي الأسبوع الماضي. وقرأت عشية المفاوضات أن «الدول الكبرى تتوقع من إيران أن تكون مستعدة للتقدم في المفاوضات النووية القادمة». وقرأت بعد المفاوضات أنها «إنتهت من دون إتفاق أو خطة لجولة جديدة». وبدت كاثرين اشتون، مسؤولة الشؤون الخارجية في الإتحاد الاوروبي، وهي خارجة من الجلسة العامة الأخيرة عابسة حزينة كأنها حضرت مجلس عزاء.
هل يمكن أن أعرف أنا والقارئ ما لا تعرف الدول الخمس الدائمة العضوية في مجلس الأمن والمانيا؟ إيران تستعمل المفاوضات لشراء الوقت فيما برنامجها النووي ماضٍ من دون توقف. والدول الكبرى ترد بعد كل فشل بالتهديد بفرض عقوبات جديدة أو فرضها فعلاً، وهذا ما فعلت الولايات المتحدة وبريطانيا فهددت هذه المرة أيضاً مع أننا جميعاً نعرف أن إيران تحت أربع مجموعات من العقوبات التي فرضها مجلس الأمن، وتحت عقوبات إضافية من أميركا والإتحاد الاوروبي من دون أن يتغير شيء في برنامجها. وإدارة أوباما تقول «كل الخيارات على الطاولة» ثم تختار التفاوض كل مرة، والآن هناك كوريا الشمالية ورئيسها كيم جونغ – اون الذي هدّد الولايات المتحدة بحرب نووية ما يُثبت أن «الولد ولد ولو حكم بلد».
في الجولة الأخيرة طلبت الدول الكبرى من إيران الحد من برامجها النووية، ووقف أي تخصيب يقترب من مستوى يصلح لإنتاج قنبلة نووية وتحويل اليورانيوم المخصّب حتى 20 في المئة للإستعمال في إنتاج الطاقة، وتخفيف اليورانيوم المخصب الآخر أو تصديره، وهذا مقابل رفع قيود غربية وعقوبات على الذهب والمعادن الثمينة وتصدير إيران البتروكيماويات.
كنت في البداية أعتمد على معلومات الدكتور محمد البرادعي، عندما كان رئيس وكالة الطاقة الذرية الدولية في فيينا وبقيت على إتصال معه، وأجمع المعلومات من كل مصدر ممكن، وقناعتي هي أن إيران ستواصل التخصيب بحجة أنه للإستعمال السلمي، وأن هذا حقها ضمن الإتفاقات النووية الدوليـة، وأن الدول الـست تركـز على إيران وتتجاهل اسرائيل.
أقول مرة أخرى أن إيران عندها نيّة إنتاج قنبلة نووية، وأن اسرائيل التي تحتل وتقتل وتدمر وتقودها حكومة عنصرية تملك ترسانة نووية مؤكدة… ومنطق العدالة يقول أن تسعى دول العالم الى تجريد الشرق الأوسط كله من أسلحة الدمار الشامل بدل التركيز على دولة واحدة والسماح لإسرائيل بامتلاك القنبلة النووية. المنطق نفسه يقول أن على الدول العربية القادرة، وأتحدث تحديداً عن مصر والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، أن تعلن النية على بدء برنامج نووي عسكري لمواجهة اسرائيل وإيران، فالاعلان وحده سيحفز الدول الكبرى على السعي لوقف البرامج العربية، وجعل الشرق الأوسط منطقة خالية من أسلحة الدمار الشامل.
إيران قدمت في الماتي إقتراحات هزيلة لا تعني شيئاً، كما فعلت في كل جولة مفاوضات سابقة، والمفاوض الإيراني سعيد جليلي إحتج على رد فعل الدول الكبرى وقال أنها بحاجة الى وقت لتفهم ما طرحته إيران.
الوقت يمضي، وعندما تشعر إيران بأن الولايات المتحدة قد تتخذ إجراء عسكرياً ضدها بتحريض من اسرائيل، أو أن هذه قد تلجأ الى عمل عسكري منفرد تجر الولايات المتحدة اليه، فستطلب جولة جديدة من المفاوضات وتعد باختراق يظل صعب المنال.
الدول العربية معنية قبل غيرها بالمفاوضات مع إيران، إلا أنها إختارت أن تُخلي الساحة لإيران و»الخواجات» في قضية مصيرية لكل دولنا.
khazen@alhayat.com
جهاد الخازن/عيون وآذان (إيران وشراء الوقت)
15
المقالة السابقة