حضرت ندوة «فقه العيش المشترك» التي أقامتها سلطنة عمان ودعت لها أكثر من (150) من العلماء ورجال الفكر والفقه والحكمة ليلتقوا على مدار ثلاثة أيام وقد تنوعت الأوراق وتعددت لكنها جميعاً أدرجت في اطار فقد رؤية العالم والعيش فيه. قد يعتقد البعض أن هذه مواضيع ثانوية وبعيدة وغير لصيقة بواقع العرب والمسلمين ولكن حين نرى الاختلافات المذهبية والعقيدة والتشاحن التي اطلقت قوى طائفية في عالمنا العربي والاسلامي التناقضات من عقالها..
هناك من يدفع باتجاه الخلاف بدل التوحد والاستقطاب بدل الانتظام في فقه يخدم الواقع ويلبي حاجاته ويحافظ على وحدة العرب والمسلمين..
حان الوقت لينهض علماء الأمة ليؤكدوا الجمع والقواسم المشتركة ويتجاوزوا التناقضات والخلافات واعادة احيائها قبل عشرات القرون من أجل أن يثبت كل فريق وجهة نظره ورأيه..استمعت إلى حوارات عديدة من أصحاب المذاهب الثمانية من السنة والشيعة والاباضية وقد اجتمعوا في مسقط.
لقد كان الأردن حاضرا من خلال رسالة عمان ومن خلال مساهماتها الملموسة في حوار الأديان عام 2005 حين جعلت الاباضية إلى جانب المذاهب الأخرى وعقدت بينها تعاوناً ورؤية مشتركة لكثير من جوانب الحياة وخاصة ما يتعلق بالعيش المشترك وفقه الواقع وحتى فقه التوقع الذي غاب عنا كثيراً وراحت جهات عديدة متطرفة أو خارجة تملي رؤيتها وتحترف الافتاء المتطرف الذي لا يستسيغه عقل أو دين.
لماذا يجري في كثير من الأحيان استحضار التاريخ أو اجتراره لتأكيد الانقسام؟ ولماذا لا تطوى صفحات يحترف البعض فتحها لتعميق الخلافات؟.. لم نكن قبل سقوط نظام بغداد نرى هذا الكم الهائل من الحديث الخلافي والرطانة الدينية والفقهية في مسائل تاريخية لا علاقة لها بالدين جرى اسقاطها على الواقع بأثر رجعي ومن أين لنا أن نفتح كل هذه الصناديق التي تعفن الكثير منها ليجري احياؤه على سبيل التمايز والتأكيد لفضل هذه الجهة والنيل من تلك.. لا بد من الحوار واستمرار الحوار على قاعدة أن هذه أمة يجمعها أكثر مما يفرقها ولا بد من توظيف الجوامع واغنائها وتعزيز مكوناتها وشطب أشكال الخلافات والتخلي عنها..
لقد غاب العقل ومنطقه ولعنته في كثير من المذاهب الاسلامية وأصبحت ضحلة لغياب الاجتهاد وأصول فقه الواقع منذ غاب المعتزلة أصحاب مدرسة العقل وعانت الأمة وما زالت تعاني غياب الاجتهاد وغلبة الواقع غير المغطى بتشريع مدني او ديني وتناطح المدني مع الديني بدل صناعة التكامل بينهما فالأصل هو الانسان مسلماً كان أم غير مسلم والأصل هو أنسنة الفقه وجعله «ناسياً» أي للناس ومن الناس وأن ينزل عليهم بالتمكين لا بالعقوبة والحرمان وما رأيناه في مصر وعشناه من تدفق لاجتهادات وارتجالات واغراق الحياة العامة الحساسة التي يشاركنا فيها مسلمون وغير مسلمين بكم من فتاوى اللامنطق وفقه معزول يسترشد بالماضي ومنعطفات التاريخ الخطيرة ويقيم من التاريخ حجة على الدين..
المشكلة أن كثيراً من المسلمين يعبدون الدين بدل أن يعبدوا الله ومن هنا التعصب ولو أن الناس عبدوا الله لما اختلفوا لأنه واحد…
كنت اناقش سماحة مفتي البوسنة الذي لديه تصورات ورؤى واقعية وفقه توقع نتاج لما عانته بلاده، كما كنت أناقش رجلاً مستنيراً هو علي جمعة مفتي مصر السابق كما سألتقي الامام العلامة أحمد الخليلي رئيس المذهب الاباضي وزير الأوقاف في عمان لأدير معه حواراً في المسائل المطروحة فالشيخ هو عالم يدعو للحوار والمجادلة بالتي هي أحسن ولا يتحمل في شرح مذهبه الذي ظل الآخرون يحكمون عليه من الخارج حين لم تكن الاباضية تشرح نفسها وتلجأ إلى الكتمان ليتقول عليها الكثيرون من القدامى بما ليس لها أو فيها..
مثل هذه الحوارات هامة وتؤثر في حياتنا واستقرارها وتخلصنا من رهونات الماضي ومن الاحتجاج بالتاريخ على حساب فقه الواقع وضروراته..
البعض يعتقد أن مثل هذه الحوارات البعيدة عن التأثير عن حياتنا ولكنني أقول انها في صميم حياتنا فالتيارات السلفية والظاهرية والمذاهب والاجتهادات والفتاوى تؤثر علينا تأثيراً كبيراً يجب وقف سلبياته وتعظيم ايجابياته..
alhattabsultan@gmail.com