دخلت جماعة الإخوان المسلمين التي تحكم مصر الآن في أزمة جديدة مع القوى السياسية المعارضة ورجال القضاء بسبب إصرارها على التمسك بالمستشار طلعت عبدالله في منصب النائب العام، رغم حكم محكمة استئناف القاهرة القاضي بإلغاء قرار تعيينه الصادر من قبل الرئيس محمد مرسي، حيث جاء في نص الحكم اعتبار تعيين “عبدالله” كأن لم يكن مع ما يترتب عليه من آثار، ما يعني أن النائب العام الحالي مطعون في شرعيته بحكم المحكمة .. بل ومرفوض من عدد كبير من رجال القضاء الذين يصرون على رحيله .. ورغم كل ذلك نجد أن الرئيس محمد مرسي ممثل جماعة الإخوان المسلمين في مؤسسة الرئاسة متمسك ببقاء المستشار طلعت عبدالله في منصبه وتتجه النية للطعن على الحكم الصادر بإلغاء تعيينه!!
والواقع أن المستشار طلعت عبدالله منذ توليه منصب النائب العام في أواخر نوفمبر من العام الماضي وهو تلاحقه الاتهامات بأنه “نائب عام إخواني” وليس نائبا عاما للشعب .. وهناك من يقارن بموقفه في أحداث قصر الاتحادية في ديسمبر الماضي، وأحداث موقعة المقطم في جمعة “رد الكرامة” والتي جرت الجمعة قبل الماضية أمام مكتب إرشاد جماعة الإخوان المسلمين .. ففي أحداث “الاتحادية” لم يتم توجيه أي اتهام لشباب جماعة الإخوان الذين قاموا باستجواب وتعذيب عدد من المتظاهرين أمام القصر الرئاسي، رغم وجود شهود ومقاطع فيديو تؤكد ذلك .. أما في أحداث المقطم فبمجرد أن أظهرت جماعة الإخوان مقاطع فيديو لنشطاء سياسيين يسيرون وسط المتظاهرين واعتبرتهم هم المحرضين لأعمال العنف، أصدر النائب العام على الفور أمر بضبط وإحضار عدد من النشطاء السياسيين للتحقيق معهم في البلاغات المقدمة ضدهم!!
وللحقيقة فإن عددا كبيرا من النشطاء السياسيين والإعلاميين رفضوا المثول أمام النائب العام باعتباره نائبا غير شرعي، وذلك قبل أن يصدر حكما بإلغاء قرار تعيينه، وهو ما يعزز موقفهم الآن الرافض للمثول أمامه لدرجة أن نقابة الصحفيين في مصر قررت مقاطعة النائب العام نهائيا، بل وطالبت أعضاءها بعدم المثول أمامه، وذلك احتجاجا على مماطلة النائب العام في التحقيق في البلاغات المقدمة من مجلس النقابة في قضية الشهيد الصحفي الحسيني أبو ضيف .. وعدم التحقيق في بلاغات الاعتداء على عدد من الصحفيين وحرق مقري صحيفتي “الوفد” و”الوطن” المصريتين .. وقد جاء قرار مجلس نقابة الصحفيين متسقا ومتضامنا مع قرار جمال فهمي وكيل النقابة بعدم المثول للتحقيق في البلاغ المقدم ضده من مؤسسة الرئاسة بتهمة إهانة رئيس الجمهورية!!
وعموما .. ليس النشطاء السياسيون وقوى المعارضة والإعلاميون وحدهم الذين يطالبون برحيل النائب العام الحالي، بل إن رجال القضاء أنفسهم وأعضاء النيابة العامة يطالبون هم أيضا برحيل “عبدالله” على اعتبار أنه نائب غير شرعي، كما أن الحكم بإلغاء قرار تعيينه واجب النفاذ، والطعن عليه لا يوقف تنفيذه إلا إذا قررت محكمة النقض وقف تنفيذه في أول جلسة لنظر الطعن .. وأنه بموجب هذا الحكم فإن جميع القرارات التي سيتخذها النائب العام تعد غير قانونية .. وبالتالي فإن المستشار طلعت عبدالله مرفوض وسط زملائه قبل أن يكون مرفوضا من قوى المعارضة والإعلاميين .. وعليه وحفاظا على جلال المنصب على النائب العام أن يستقيل فورا ثم يجتمع المجلس الأعلى للقضاء ويرشح ثلاثة من أعضائه لمنصب النائب العام يختار منهم الرئيس محمد مرسي واحدا!!
لقد حاصر المتظاهرون الجمعة الماضية مقر دار القضاء العالي الكائن به مكتب النائب العام في جمعة أطلقوا عليها “ما بنتهددش” وقاموا بإغلاق البوابة الرئيسية لدار القضاء بالجنازير للمطالبة بتنفيذ حكم محكمة استئناف القاهرة بإلغاء قرار تعيين المستشار طلعت عبدالله واحتجاجا على استدعاء عدد من النشطاء والسياسيين على خلفية أحداث المقطم .. وفي تصعيد جديد للأزمة قرر شباب القضاة وأعضاء النيابة العامة مقاطعة النائب العام المعزول بحكم قضائي وهددوا باتخاذ إجراءات تصعيدية في حال تعطيل تنفيذ الحكم منها ملاحقة رئيس الجمهورية طبقا للمادة 123 من قانون العقوبات وهي المادة الخاصة بالامتناع عن تنفيذ الأحكام القضائية وعقوبتها الحبس والعزل، وإذا لم تضبط الشرطة الممتنع عن تنفيذ الحكم سنقوم نحن القضاة وأعضاء النيابة بتنفيذه بالقوة الجبرية طبقا لنص المادة 34 من قانون الإجراءات الجنائية ونعزل النائب العام!!
إن أزمة النائب العام ليست هي الاتهام الوحيد الذي يتم توجيهه لجماعة الإخوان المسلمين التي تحكم مصر بإهدار دولة القانون والتدخل السافر في استقلال القضاء .. فالجماعة ومنذ صعودها على رأس الحكم وهي تسعى جاهدة لتهميش القضاء تارة، والتدخل في شئونه تارة أخرى، وكلنا يتذكر أن أول قرارات الرئيس محمد مرسي كان عودة مجلس الشعب المنحل بحكم المحكمة الدستورية، وحين اكتشف صعوبة تنفيذ هذا القرار تراجع في قراره مرة أخرى .. فضلا عما فعله مجلس الشورى الذي تهيمن عليه جماعة الإخوان فيما يتعلق بقانون الانتخابات البرلمانية حين تحايل على ضرورة تثبت المحكمة الدستورية من تعديل عدد من مواد قانون الانتخابات التي قضت بعدم دستوريتها، وهو ما دفع محكمة القضاء الإداري لإصدار حكم بوقف إجراءات الانتخابات التي دعا إليها الرئيس مرسي لحين الفصل في دستورية هذا القانون، وهي كلها أفعال خصمت من رصيد جماعة الإخوان كثيرا بشهادة أعضاء بارزين في الجماعة نفسها!!
سامي حامد/النائب العام .. وتدخلات الإخوان!!
23
المقالة السابقة