فايز رشيد/كل الحكومات الإسرائيلية شديدة التطرف

بمجرد تمكن نتنياهو من تشكيل حكومته الجديدة طلعت علينا الأصوات القائلة بأنها الأكثر تطرفا من السابقة، التي تم وصفها في حينه بأنها الأشد تطرفا! تماما مثلما نقول عن الإدارات الأمريكية بأن كل إدارة رئيس جديد فيها هي الأخلص لإسرائيل.

الحقيقة تتمثل فيما يلي: أن كافة الحكومات الإسرائيلية هي متطرفة، وتطرفها ينبع من اعتناقها للأيديولوجيا الصهيونية والتي هي غاية في التطرف والعدوان والعنصرية. صحيح أنه توجد ثمة تباينات بين حكومة وأخرى بالنسبة للقضايا التي تمس الداخل الإسرائيلي، لكن فيما يتعلق بالعلاقة والموقف من الفلسطينيين والعرب، كلهم متفقون، لكن بعضهم يحرص على ارتداء قفازين من حرير يغطي بهما قبضتيه الحديديتين، البعض الآخر يقول كلاما ناعما وكأنه (يعشق السلام) لكنه في حقيقة أمره غاية في التطرف. هل تبدو ليفني وبيريز ومن قبل رابين أقل تطرفا من نتنياهو؟ مخطئ من يظن ذلك! مثلما كان متوقعاً، نجح نتنياهو أخيراً في تشكيل حكومة إسرائيلية جديدة. لقد توقع البعض عدم استطاعته ذلك، ورجّح الذهاب إلى انتخابات جديدة، بسبب التباينات بين الأحزاب الإسرائيلية! قلناها مراراً: إن هذه التباينات التي في غالبيتها تتمحور حول السياسات الداخلية المتعلقة بالشأن الداخلي المحض، تتلاشى دوماً أمام اتفاق كافة الأحزاب الصهيونية على الموقف من الفلسطينيين والعرب ومن التسوية معهم، فالعداء لهم والتنكر لكل حقوقهم الوطنية هو القاسم المشترك الأعظم الذي يوّحد غالبية الشارع الإسرائيلي. حكومات الكيان كلها مجبولة على التطرف والشراسة منذ إنشائه وحتى اللحظة. ما يميز الحكومة الجديدة أن معظمها من عتاة المستوطنين والدمويين الأكثر حقدا على كل من هو فلسطيني وعربي.

حكومة نتنياهو ستتمتع بغالبية مريحة في الكنيست قوامها 68 صوتاً، تتألف من: الكتلة التحالفية من “الليكود” و”إسرائيل بيتنا” 31 صوتاً، كتلة “يوجد مستقبل” 19 صوتاً، حزب المستوطنين “البيت اليهودي” 12 صوتاً، حزب “الحركة” وله 6 أصوات.

أما من حيث الحقائب، فسيتولى رئيس الأركان الأسبق موشيه يعلون حقيبة الحرب وهومن حزب الليكود ومن أشد الصهاينة تطرفاً، ومن أكثر المنادين بمبدأ “القوة” ضد الفلسطينيين والعرب مسؤول عن عملية “السوار الواقي” وعن اغتيال واختطاف العديد من قادة المقاومتين: الفلسطينية والوطنية اللبنانية، الضفة الغربية بالنسبة إليه دوماً هي “يهودا والسامرة” وهو المسؤول عن عملية اغتيال الشهيد أبو جهاد “خليل الوزير” على الأراضي التونسية. من المنادين بالاستيطان الدائم، وكان أول تصريح له بعد تسلمه لمنصبه أن هذه الحكومة هي “حكومة تعزيز الاستيطان”، أما نائب يعلون فهو المتطرف والدموي من حزب الليكود داني دانون.

نتنياهو سيحتفظ بوزارة الخارجية مؤقتاً وسيقوم بتسليمها إلى الفاشي ليبرمان بعد انتهاء التحقيق معه من قبل القضاء حول قضايا فساد. أما نائب وزير الخارجية فهو المتطرف الصهيوني زئيف إلكين المنادي أيضاً بالاستيطان الدائم، وهو من غلاة المستوطنين. حقيبة الإسكان يتولاها اوري أريئيل من حزب ” البيت اليهودي” وهو أحد أبرز عتاة المستوطنين، ثم لا ننسى نتنياهو نفسه باعتباره على رأس غلاة المتطرفين.

بالنسبة للتسوية مع الفلسطينيين والعرب فقد تضمن بيان الحكومة جملاً فضفاضة مثل: “إن الحكومة ستحث المسيرة السياسية وستعمل على حث السلام مع كل جيراننا في ظل حماية المصالح الأمنية، التاريخية، والوطنية لإسرائيل، وإذا تحقق اتفاق سلام مع الفلسطينيين فإنه سيطرح على إقرار الحكومة والكنيست وإذا كان لذلك حاجة، حسب القانون، فعلى استفتاء شعبي”. التسوية بالنسبة لحكومة الائتلاف الجديد لا تشكل أولوية، فالأولويات بالنسبة إليها: داخلياً، تمتين الاقتصاد من خلال تجاوز العجز في الميزانية، والحد من ارتفاع الأسعار للسلع وارتفاع أجور البيوت والشقق السكنية وهي القضايا التي كانت سبباً وراء قيام مظاهرات كبيرة واحتجاجات في الشارع الإسرائيلي.

من القضايا الداخلية أيضاً: تجنيد الشباب المتدنيين، فحزبا “يوجد مستقبل” و”البيت اليهودي” (شريكان مهمان في الائتلاف الحالي) يطالبان بتجنيدهم وشاركا في الحكومة على هذا الأساس. أما المتدينون الشرقيون “حزب شاس” والمتدينون الغربيون “حزب أحودات هاتوراة” (وهما شريكا نتنياهو في الحكومة الماضية وقد تخلى عنهما ولم يُشركهما حالياً)، فيرفضان التجنيد.

من الواضح أن هذه القضية ستكون مجال اختلاف في الشارع الإسرائيلي.

على الصعيد الداخلي أيضاً، ستقوم الحكومة الحالية بالعمل على سن قانون “إسرائيل الدولة القومية لليهود”، الذي يمنح اليهود كل الأولويات على غيرهم: في الإسكان والبناء واللغة والمساعدة والجنسية وغيرها.

للعلم هذا القانون سنته الكنيست في عام 1948، لكنه بقي قانون أساس (قوانين الأساس هي بمثابة دستور إسرائيل)، لكنه بقي في هذا الإطار، الآن فإن الاتفاق بين حزب “البيت اليهودي” مع الليكود ونتنياهو يقضي بتشريع هذا القانون.

أيضاً فإن هذا القانون كان يُعمل به في إسرائيل، ولا يزال، حتى من دون تشريعه (بل من خلال وضعه كقانون أساس)، ويُعتبر أحد الأسس العنصرية التي تبيح سياسات التمييز ضد غير اليهود في إسرائيل.

صيغة القانون كانت قد اقتُرحت وبُلورت أساساً من قبل ما يسمى بــ”معهد الإستراتيجيات الصهيونية” المتماثل مع اليمين الأشد تطرفاً والمستوطنين. من الجماعات اليهودية المختلفة التابعة للمنظمة الصهيونية العالمية.

وعلى صعيد السياسات الخارجية، فإن التحدي الأول بالنسبة لنتنياهو (وقد أعلن مراراً عن ذلك وفي أكثر من تصريح) هو: البرنامج النووي الإيراني. نتنياهو والمتطرفون عموماً والجماعات الأكثر تطرفاً ينادون بضرب هذا المشروع عسكرياً، ولكن يُفضَّل من خلال اتفاق مع الولايات المتحدة، أما إذا لم توافق فيطالبون بأن تقوم إسرائيل وحدها بتوجيه هذه الضربة.

الآن ومع وجود يعلون على رأس وزارة الحرب ووجود وزراء من “البيت اليهودي” في الحكومة، فسيكون من السهل على نتنياهو تحصيل قرار من مجلس الوزراء، للقيام بالهجوم.

بالنسبة للعلاقة مع الولايات المتحدة الأمريكية وأوباما شخصياً، فقد أعلن الأخير في تصريحات عديدة له أثناء زيارته للكيان الصهيوني “بأن إدارته ترحب بالحكومة التي تم الاتفاق عليها في، وستعمل بثقة معها”.

لم يكن منتظراً من الولايات المتحدة لا قبل زيارة أوباما ولا أثناءها ولا بعدها، أن تمارس ضغطاً على الجانب الإسرائيلي بشأن إحياء المفاوضات مع الجانب الفلسطيني مثلما تبين أثناء الزيارة.

الحكومة الحالية أيضاً، وبسبب وجود حزب “البيت اليهودي” شريكاً فيها، ستكون حذرة حتى في التفاوض مع السلطة الفلسطينية، فوجود تسيبي ليفني على رأس هذا الملف وهو “المباحثات مع الفلسطينيين” لا يعني إعطاءها حرية الحركة في هذا المجال، فهي تعمل بشرط أن يكون كامل الملف تحت إشراف نتنياهو، وهذا مما سيصّعب انفرادها به.

الإسرائيليون بغالبية أحزابهم متفقون على جوهر التسوية وهو “الحكم الذاتي المنزوع من أي سيادة” للفلسطينيين، لكنهم مختلفون في أدوارهم على المسرح، فليفني مثلاً تقوم بحركة سياسية وهي التفاوض مع الفلسطينيين بهدف إعلامي حتى يقال: إن هناك حركة سياسية بين الجانبين: تفاوض لأجل التفاوض. وليس بهدف الوصول إلى تسوية. هذا هو مبدأ إسحق شامير، التفاوض لسنوات طويلة دون نتائج.

أما بعض الآخرين من الإسرائيليين فيقف ضد هذا التفاوض من الأصل، فهو لا يعترف بوجود الفلسطينيين من الأساس. إنها لعبة أدوار في مسرحية ليس إلا.

لقد لخص نتنياهو في تصريح له أهداف حكومته في ثلاث كلمات: الاقتصاد، والأمن، والتسوية، هذا إضافة بالطبع إلى المشروع النووي الإيراني.

من الواضح أن الموضوعين الأولين سيحتلان اهتمام الصدارة، أما الثالث فهو آخر الأولويات. لذلك فإن الحكومة الحالية هي حكومة التطرف والحرب والاستيطان.

كفانا تفريقا بين الأحزاب الصهيونية وكفانا اعتقادا بوجود ما يسمى (يسار إسرائيلي)، نعم كلهم وحكوماتهم متطرفون، وكلهم صقور، ولا توجد حمائم في أوساطهم.

شاهد أيضاً

رسائل بالأسلحة وردود راشدة* د.منذر الحوارات

عروبة الإخباري – غرق شهر نيسان هذا العام بالترقب والتوجس وتوقع ما هو أسوأ وربما …

اترك تعليقاً