لن يخلي الأردن رعايته من القدس مهما كانت الضغوط الخارجية عليه فقد حمل الأمانة نيابة عن الشعب الفلسطيني والأمة العربية والاسلامية من خلال الرعاية الهاشمية وهي الرعاية التي بدأت في منتصف العشرينات من القرن الماضي حين وضعت فلسطين في الانتداب البريطاني بعد عام 1921 وقد ظل ملوك الهاشميين يزورون القدس ويرعون مقدساتها ويوفرون لها كل أسباب الصون والحماية فقد زارها الشريف حسين عام 1925 وكان في استقباله موسى كاظم الحسيني قبل أن يوصي الشريف أن يدفن في رحاب المسجد الأقصى عام 1931 وتمتد جنازته من السلط إلى القدس في أهيب جنازة عرفها زمانه وقد رثاه يومها أمير الشعراء بقصيدته المعروفة «لك في الأرض والسماء مآتم». وقبل ذلك زارها الأمير عبدالله المؤسس عام 1921 وتكررت زيارته لها حين التقى تشرتشل ومن قبل الجنرال اللنبي وعاود زيارتها عام 1931 حين استقبل فيها رئيس وزراء ايران عبد الكريم الطبطباني والفيلسوف التركي رضا توفيق وشكري القوتلي. واستمر الهاشميون في العناية بالقدس امتداداً لرعاية الأمويين لها حين أقاموا فيها زمن عبدالملك بن مروان وابنه الوليد مسجد الصخرة المشرفة وقبتها النادرة وانتشر أمراؤهم في فلسطين فقد كان في أريحا هشام بن عبد الملك وفي الرملة مسلمة بن عبد الملك وقد قبل أول خليفة أموي معاوية بن أبي سفيان البيعة في القدس وقد جعلوا القدس في أول سلم اهتماماتهم واستمدوا منها شرعية حكمهم حين نافسهم عبدالله بن الزبير في مكة، وفي زمن الأمويين تحول حجهم إلى القدس لسبع سنوات حين منع حجيجهم من التوجه إلى مكة وقبل أن يدخل الحجاج بن يوسف مكة منهياً نفوذ ابن الزبير نعود إلى الهاشميين اذ زارها من ملوكهم أيضاً الملك علي بن الحسين ملك الحجاز عام 1931 وكان في معيته عبدالقادر الجزائري وفي استقباله المفتي الحاج أمين الحسيني كما زارها من بعد وقبل استشهاده الأمير عبدالله بن الحسين عام 1949 وقد رافقه ولي عهده طلال وولده نايف وكان في استقباله أيضاً بطرك القدس آنذاك للروم الأرثوذكس.
ثم عاود زيارتها يوم استشهاده في تموز عام 1951 أما الملك الحسين بن طلال الراحل ثالث ملوك الهاشميين فقد تشرف بالمسؤولية عنها منذ توليه سلطاته عام 1952 وحتى عام 1967 حين سقطت القدس في يد المحتلين الاسرائيليين اثر حرب حزيران 1967 وقد ظلت القدس جرحاً غائراً في صدر الحسين ونفسه وفي حديث لي قال «أتمنى أن تعود ليوم واحد وأموت» سوف يذكر التاريخ انها ضاعت في عهدي..
وقد ورث رعاية القدس الشريف ومقدساتها الاسلامية والمسيحية الملك عبدالله الثاني رابع ملوك الهاشميين وأدام الاهتمام بها ورعاية مقدساتها وسدنتها وأوقافها ومحاكمها الشرعية وأئمة مساجدها والوعاظ فيها واقتطع لهم من موازنة وزارة الأوقاف وأخذ بنهج والده الحسين الذي تبرع من ماله بإعمار صخرتها وإعادة تذهيبها بـ (11) مليون دينار حين اكد على شرعية حكمه برعاية القدس أولى القبلتين وثالث الحرمين حين كانت أطراف عربية لا تفهم دلالات هذه الرعاية ومعانيها وتحاول أن تسحب هذه الورقة الشرعية من يد الهاشميين وهي المحاولة التي تقوم اليوم وفي أعقاب مؤتمر الدوحة..إذ أن هناك رطانة ومحاولات لابعاد الأردن عن دوره الديني والسياسي والشرعي وواجبه الانساني والوطني والقومي لصالح فراغ تملؤه اسرائيل وتحت حجة اعادة القدس لاصحابها الفلسطينيين الذين ما زالوا لم يقيموا دولتهم وليس لهم سيطرة في القدس او قوة تحميها كما ليس بين أيديهم حتى الآن وثائق واتفاقيات ثنائية أو دولية في هذا السياق..
واذا كانت اتفاقية السلام الأردنية-الاسرائيلية قد نصت على دور اردني في القدس فإن ذلك كان لا بد من تعزيزه بما فعله الملك عبد الله الثاني امس بتوقيع اتفاق مع القيادة الفلسطينية يقطع الطريق على المزايدين وذوي الأجندات المشبوهة ويؤكد حرص الأردنيين والفلسطينيين على القدس وبذل كل جهد في سبيل حمايتها من التهويد والأسرلة والعمل في كل المحافل الدولية والعربية والاسلامية لوقف زحف الاستيطان فيها ومصادرة أراضيها وهدم بيوتها والتعدي على مقدساتها وخاصة المسجد الأقصى.
قد لا تكفي معاهدة السلام ذات النص الهش وحتى بيان واشنطن في 25/ 7/ 1994 الذي وقع مع الادارة الأمريكية وأعطى الأردن حق رعاية الأماكن الاسلامية في القدس قد لا يكفي ذلك ولذا استوجب تعزيز الدور الأردني بمباركة فلسطينية بعد زيارة الرئيس أوباما حيث ظلت المقدسات الاسلامية بلا تمثيل أثناء زيارة أوباما الذي استقبله اليهود عند حائط «المبكى» البراق..غداً نستكمل دلالات الاتفاقية..
alhattabsultan@gmail.com
سلطان الحطاب/الاتفاق الأردني الفلسطيني عن القدس «1»
16
المقالة السابقة