على مدى خمسة أيام متتابعة كانت الدوحة تعج بالخبراء والفنيين والمندوبين والإعلاميين والوزراء وأخيرا الملوك والأمراء والرؤساء، وبقيت الدوحة منشغلة قبل ذلك في الإعداد والترتيب لقمة عربية تكون غير القمم العربية السابقة. كان كل هم من هموم الأمة العربية على جدول أعمال تلك القمة، لكن جوهر قضايا أمتنا العربية في هذه القمة كانت ثلاث: الشأن الفلسطيني، وسوريا الحبيبة، وإصلاح الجامعة العربية.
في خطاب الافتتاح الذي ألقاه سمو الأمير الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني رئيس القمة العربية تناول تلك البنود الثلاثة بما هو كائن وما يجب أن يكون عليه الحال. أستعرض بإيجاز سيرة العمل الوطني الفلسطيني وتعثراته مقترحا الحلول، فكان اقتراحه عقد قمة عربية مصغرة لمن يحضر يكون انعقادها في القاهرة على أن يحضرها قادة الفصائل الفلسطينية وعلى وجه التحديد حركتي حماس وفتح على أن تتم المصالحة بين الطرفين المعطلين للعمل الفلسطيني ولكل أسبابه، وأكد سموه أنه لا سلام ولا أمن ولا استقرار في الشرق الأوسط إلا بحل هذه القضية حلا عادلا ودائما وشاملا يلبي كامل الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني، وقال سموه في شأن جهود إسرائيل في تهويد مدينة القدس ومواصلة الاستيطان واحتجاز الأسرى إنها أعمال تزيد التوتر والإحباط لدى الفلسطينيين، وعلى إسرائيل أن تدرك أن القوة لا تصنع سلاما ولا أمنا. ونبه سموه إلى خطورة ما يواجه المسجد الأقصى على يد الإسرائيليين وناشد العرب جميعا تحمل مسؤولياتهم تجاه حماية الأقصى من التدمير والتهويد والتدنيس، ودعا سموه الزعماء العرب إن كانوا جادين في حماية الأقصى وما حوله من التهويد والإزاحة والدفاع عن عروبته وإنقاذه إنشاء صندوق لدعم مدينة القدس برأسمال قدره مليار دولار على أن يتم التنفيذ فور انتهاء أعمال القمة وأعلن من جانبه باسم دولة قطر دفع مبلغ 25 مليون دولار على أن تقوم الدول العربية القادرة بإكمال المبلغ المقترح واقترح سموه أن يتولى البنك الإسلامي للتنمية إدارة هذا الصندوق بعيدا عن الشبهات. وفي شأن الحصار المفروض على قطاع غزة دعا جميع الأطراف إلى إنهاء هذا الحصار الظالم والعمل الجاد على إعادة إعمار قطاع غزة، وكان سموه أول من كسر هذا الحصار عندما قام بزيارة رسمية لقطاع غزة في العام الماضي ووضع حجر الأساس لإعادة إعمار غزة. إنه يقرن القول بالعمل.
(2)
تناول سموه المسألة السورية بشيء من التفصيل مستدعيا التاريخ والدور الحضاري للشعب السوري العربي العريق والمعاناة التي يكابدها هذا الشعب جراء حرب الإبادة الشاملة التي يشنها النظام الحاكم في دمشق على هذا الشعب لا لذنب اقترفه وإنما لأنهم يطالبون بالحرية والكرامة والعدالة والمساواة والمشاركة السياسية ورفض الاستبداد بالسلطة لطائفة أو حزب أو عشيرة، ودعا قيادة الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية أن تأخذ مكانها بين الملوك والأمراء الرؤساء العرب ممثلا شرعيا وحيدا للشعب السوري في جامعة الدول العربية ووكالاتها المتخصصة بدلا من النظام الفاشستي الحاكم في دمشق.
تابعت معظم الحوارات التليفزيونية في شأن قانونية هذا الإجراء وراح معظم المحللين يقول بأن دعوة ممثل الثورة السورية والمعارضة لأخذ مكان الحكومة السورية في الجامعة يعد مخالفا لميثاق الجامعة وإنها سابقة خطيرة في النظام العربي، وهنا أذكر أصحاب هذا الرأي أن الجامعة العربية قبلت بتمثيل الشعب العراقي في الجامعة العربية بحفنة من المرتزقة عام 2003 بدلا من الحكومة الشرعية للشعب العراقي، علما بأن ميثاق الجامعة العربية لا يقبل العضوية إلا للدول المستقلة ذات السيادة وقلنا في حينه بأن ذلك الإجراء مخالف للميثاق، وجاءت الثورة الليبية المباركة فمنحت مقعدا في الجامعة العربية بدلا من ممثل نظام الحكم آنذاك “معمر القذافي” وكان ذلك مخالفة لقواعد الميثاق لكن النظامين السوري واللبناني لم يعترضا على تلك الإجراءات ولم تتحفظ السودان ولا الجزائر فما بالهما اليوم؟!!
لقد دعا سمو الأمير الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني العرب والمجتمع الدولي ممثلا في الأمم المتحدة لعقد مؤتمر دولي لإعادة إعمار سوريا فور انتقال السلطة إلى الشعب وممثله الشرعي والوحيد “الائتلاف الوطني للثورة والمعارضة” مؤكداً على أن وحدة سوريا الحبيبة أرضا وشعبا مسؤولية أخلاقية وتاريخية وقومية يتحملها العرب جميعا.
(3)
في مجال إصلاح جامعة الدول العربية كان موقف سموه واضحا بأن إصلاح الجامعة ضرورة قومية والانتقال بها من قرارات الإجماع إلى قرار الأغلبية لأن الإجماع معطل لكل حركة إصلاح ولم ينس سموه دور ومكانة موظفي الأمانة العامة للجامعة وما يقدمونه من أعمال فاقترح سموه تقديرا لجهودهم الكبيرة تأسيس صندوق معاشات ليوفر لهم الحياة الكريمة بعد سنوات العمر الطويلة التي قضوها في خدمة الجامعة وقد أعلن تبرع دولة قطر بعشرة ملايين دولار للمساهمة في هذا الصندوق.
لقد كان خطاب سموه شاملا جامعا واضحا لا لبس فيه تناول كل قضايا الأمة وما يجب فعله عربيا تجاه تلك القضايا.
آخر القول: القيادة القطرية بقيادة سمو الأمير وآل بيته تصنع تاريخا جديدا لأمتنا العربية فهل من معين من القادة العرب؟.